الخبر الذي نشره موقع "كان" حول استضافة الخارجية "الإسرائيلية" وفدا شبابيا عربيا من نشطاء الشبكات الاجتماعية مقلق كثيرا. فالوزارة، وبخلاف مهمتها الرئيسة في إقامة جسور الاتصال الدبلوماسي مع الحكومات حول العالم، تهتم أيضا بترويج صورة الكيان على المستوى الشعبي، من خلال إدارتي الدبلوماسية العامة، والعلاقات العامة والإعلام. وهي في حال نجاحها في استقطاب عدد من النشطاء العرب لجهتها، فهذا يعني تعاظم التحديات المطلوب منا مواجهتها على صعيد صورتنا كأصحاب حق.
ولعل الخوف الذي ينتابني يتصل بحقيقة امتلاك وزارة الخارجية "الإسرائيلية" نمط اشتغال يجمع بين الصيغتين التقليدية والمستحدثة؛ فهي من جهة ترعى تنفيذ مهام إعلامية كجزء من الإستراتيجية الاتصالية الموجهة نحو الخارج الرسمي، ومن جهة أخرى تنظم وتوجه أنشطة ترويج تبتعد فيها عنالبروتوكولات الرسمية لتتوجه مباشرة ودون وسيط نحو المستويات الشعبية. ويسمى هذا الجهد "الدبلوماسية العامة" أو الهاسبارا بالعبرية، وله وجه سيبراني يسمى "الدبلوماسية الرقمية 2.0". وهذا الأخير يستهدف المجتمعات عن طريق الاتصال المباشر، بعيداً عن الرقابة الحكومية، لقدرته تحقيق اختراقات مؤثرة على مستوى الوعي الشخصي أو الجمعي.
ولأن المنطقة العربية جزء أساس من مجهودات (إسرائيل) الدعائية، جاءت هذه الاستضافة لتزيد من تعقيد معركة الصورة التي نخوضها، خاصة أن مخاوفنا مرتبطة باحتمال انخراط هذه الفئة العربية في جهود تحسين صورة الكيان داخل بلدانهم، وإمكانية تشكيلهم للوبي سيبراني ضاغط، يعرقل أو يحد من حركة الدعم الطبيعي والتقليدي الذي تتمتع به القضية الفلسطينية. بمعنى آخر، قد تتمكن (إسرائيل) من زيادة مساحة تأثيرها لتشمل تشكيلات مجتمعية صغرى، بعد أن اقتصرت سابقاً على بعض الفئات السياسية والاقتصادية التي تربطها بهم علاقات واتفاقات رسمية.
والأخطر مما سبق يتمثل في احتمال امتلاك (إسرائيل) قدرة توجيه النشطاء العرب مباشرة مستقبلاً، بعيداً عن سيطرة ورقابة الحكومات، وتحت مظلة التطبيع. وهذا يعني مكتسبات إضافية على المستوى الاستخباري، وبذلك قد يتحول بعض النشطاء من أداة اتصالية مهمتها ترويج صورة (إسرائيل) إلى خطر أمني محتمل لا يعلم أحد كيفية توظيفه واستغلاله إلا الله. ولعل الأدوار التي نفذتها روسيا بحق أوكرانيا على صعيد حرب المعلومات خير دليل على صحة المخاوف المقدمة، سيما وأن الكرملين استطاع استمالة جزء مهم من المجتمع لصالحه بعد أن أجاد توظيف خدمات بعض الأوكرانيين. ويتضح هنا أن مجهودات وزارة الخارجية "الإسرائيلية" تجاه المجتمعات العربية ما هي إلا جزء من مخطط شامل يأخذ بالحسبان متطلبات الإستراتيجية المعلوماتية والدعائية المطلوب تنفيذها على مراحل، لتحقيق مكاسب كبرى على صعيد السيطرة والتحكم بالمنطقة العربية.
وفي النهاية علينا الاعتراف بحقيقة تسجيل (إسرائيل) لبعض الأهداف، سيما في المنطقة العربية، الأمر الذي يتطلب تبني مقاربات غير تقليدية، وأنماط عمل مؤثرة ومتطورة، نستطيع من خلالها صد موجة تمدد الكيان، خاصة على جبهة الخليج العربي.