65 مركبًا احتجزها الاحتلال، كان أحدها مركب الحاج عيسى الشرافي الذي لم تشفع تجاعيد وجهه، والشيب الذي اكتسى رأسه، من عنصرية جنود سلاح البحرية الإسرائيلية ببحر قطاع غزة.
أولئك الجنود أمروا الصياد الشرافي (70 عامًا) في أثناء عمله على بعد 6 أميال في عرض بحر غزة، بالنزول من مركبه في المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة، وسحبوه برفقة نجله ومركبهما مقيدين إلى مراكز التحقيق.
الحاج الشرافي لم يكن مطلع العام الجاري عليه كأي عام سابق، إذ اعتقله الاحتلال في أثناء عمله في مهنة الصيد التي ورثها عن والده، وترعرع عليها وإخوانه بعدما صار المعيل الوحيد لهم، بعد رحيل والده.
ويروي الشرافي بمداد الدمع لصحيفة "فلسطين"، تلك التفاصيل المؤلمة في الأول من كانون الآخر (يناير) الماضي، حينما صادر الاحتلال مركب صيده، لقمة عيشه الوحيدة، قائلًا: "في حياتي، لم أتجاوز مساحات الصيد التي يقيدنا بها الاحتلال، بل هو عنصري يدعي تجاوزنا لها لممارسة انتهاكاته بحقنا، وما يذهب لا يعود (في إشارة إلى مركبه المُصادر)".
والأربعاء الماضي، أفرج الاحتلال عن مركب الشرافي الذي أصبح "هيكلًا متهالكًا لا روح فيه"، إذ أصابته أعطال جسيمة، فضلًا عن فقدانه محركه وأجهزة الـGPS وغيرها، يقول: "الاحتلال كمن سلبنا عيوننا وأبقانا بنصف عين".
وبلغت خسائر الحاج الشرافي في مركبه "المتواضع" نحو 4 آلاف شيقل، يعجز عن توفيرها مع انعدام حركة الصيد في بحر غزة، وملاحقة بحرية الاحتلال الصيادين في طعامهم ولقمة عيشهم.
ويضيف: "زوارق الاحتلال تلاحق الصيادين في مصدر رزقهم، وتمنعهم من ممارسة عملهم الذي تربوا عليه ويعيلون به آلاف الأسر المستورة"، مطالبًا بوقف انتهاكات الاحتلال، وحماية حقوقهم.
لقمة عيش مدمرة
وكان الاحتلال قد أفرج عن عدد من قوارب الصيد المحتجزة، خلال تموز (يوليو) الماضي وحزيران (يونيو) الجاري؛ تنفيذًا لبعض التفاهمات التي ترعاها مصر بين المقاومة في غزة والاحتلال، إذ اشترطت المقاومة التخفيف عن كاهل الصيادين بالإفراج عن قواربهم المحتجزة، وإدخال معدات الصيد المحظورة، وتوسيع مساحة الصيد داخل بحر قطاع غزة، وأيضًا بعد تقديم جمعيات حقوق إنسان التماسات لمحكمة الاحتلال العليا لاستعادة تلك القوارب.
وعمت الفرحة التي تأخرت كثيرًا قلوب الصيادين وذويهم، لكن تلك الفرحة لم تكتمل بسبب إرجاع الاحتلال لها مدمرة كليًّا أو جزئيًّا، دون كثير من معداتها وأجهزتها.
وأوضحت المنسقة القانونية في مركز الميزان لحقوق الإنسان ميرفت النحال أن احتجاز الاحتلال مراكب الصيادين أشهرًا وسنوات طويلة لا يستند البتة إلى أي سند أو تشريع قانوني.
وعدّت النحال في حديث إلى "فلسطين" احتجاز الاحتلال مراكب الصيادين "انتهاكًا ومخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان"، مشددة على أن ادعاءه أن احتجازه المراكب بسبب خرق تقييدات مساحات الصيد حجج غير مقبولة.
وأكدت أن هذه الحجج غير قانونية، ولا تسوغ الضرر الجسيم الذي يلحقه الاحتلال بالصيادين، باعتدائه على مصدر رزقهم وحقوقهم وعائلاتهم، لافتة إلى أن نيابة الاحتلال كانت عاجزة عن إيجاد مسوغ قانوني لاحتجاز المراكب.
وتابعت: "انتزعنا قرارًا واضحًا من الاحتلال بالإفراج عن جميع المراكب المحتجزة لديه، ويقدر عددها بـ65 مركبًا، وفقًا لما أقرت به نيابة الاحتلال".
وفي التقرير التوثيقي نصف السنوي لمركز الميزان، أفاد أن الاحتلال يواصل انتهاكاته بحق الصيادين، باستهداف النشاط البحري الفلسطيني بإطلاق نيران أسلحته الرشاشة مباشرة تجاههم، فيوقع الشهداء والجرحى في صفوفهم.
وأكد أن الاحتلال يلاحق مراكب الصيادين في عرض البحر ويعتقل من عليها، ويستخدم أعنف الأساليب التي من شأنها أن تحطّ من كرامتهم الإنسانية، ويعتدي عليهم جسديًّا وبالإهانات اللفظية، ويجبرهم على خلع ملابسهم والسباحة في عرض البحر رغم برودة الطقس.
وبلغ عدد مراكب الصيد المفرج عنها منذ يونيو الماضي حتى 17 يوليو الجاري 20 مركبًا، أعيدت متهالكة غير صالحة للعمل في عرض بحر غزة من جديد.