فلسطين أون لاين

​اللاوعي حين يسيّرنا

...
صورة تعبيرية عن اللاوعي
بقلم / نجلاء السكافي

عندما كنتُ في السابعة لم أكن أعرف الخوف، فكما يوضح علماء النفس أن الطفل بفطرته لا يخاف، وإنما يكتسب هذه الصفات من البيئة المحيطة حوله، وربما أول ما بدأ يخيفني في العالم من حولي هو "أبو رجل مسلوخة"، فما زلت أذكر تضارب دقات قلبي وتسارع أنفاسي خوفًا كلما هددني أحد بهذه الشخصية الوهمية التي كانت تُشكل رعبًا لطفلة لم تتجاوز عدد أصابع يدها.

ومنذ ذلك الحين بقي المجهول في حياتنا هو ما يخيفنا رغم أننا لا نعلم ماهيته ولم نره ولم نلمسه ولم نواجه قوته وقد تكون أكبر معركة حدثت بيننا وبينه في عالم الخيال. وكلمة "الخيال" هذه هي مربط الفرس في مقالي، فإن كل تصرفاتنا ترتبط ارتباطا كليا بالأفكار التي توجد في عقلنا اللاواعي سابقًا عن فكرة ما.

وخير مثال على ذلك هو الخوف من الظلمة وارتباطها ذهنيًا لدينا بالأشباح والخيالات والهواجس المثيرة، فمجرد أن تقطع الكهرباء ليلًا حتى لو كان أحدنا يجلس لوحده في وقت لا يحتاج فيه للنور فإنه أوتوماتيكيًا يُضيء كشافًا، كأن ما سيضرنا لن يحدث إلا في الظلام!

وعلى الرغم من أن العلم الحديث أكد أن إفراز هرمون الميلاتونين لا يتم بصورة طبيعية إلا في العتمة ويبلغ ذروته في الظلام الحالك، وهو يتم بواسطة غدة صغيرة في الدماغ تعرف باسم الجسم الصنوبري، وهذه الغدة تساعد على الاسترخاء والنوم وتعد مضاد أكسدة جيد كما لا يمكن إنكار مدى أهميتها في علاج مشاكل المخ، وهذا ما كان دعانا إليه رسولنا الكريم وهو إطفاء النور ليلًا بقوله: "إذا نمتم فأطفئوا سرجكم" ومع ذلك فإن قوانا تَخر أمام أول خرافة تخرج إلى تفكيرنا في عمق الظلام.

وشيء آخر غريب للغاية نعايشه في حياتنا اليومية ونفشل غالبًا في مواجهته هو عالم الجن، وفي الحقيقة لا أفهم كيف يخاف شخص ما من شيء لا يعرفه! أرجو عدم اللبس فأنا لا أنكر وجود الجن على العكس أنا أؤمن بهذا العالم إيماني بالله العظيم، ولكن لا أستوعب الرعب منه! ربما لأنني لم أترك أذني يومًا تصغى للخزعبلات التي يختلقها الناس حول القوى الخارقة التي يمتلكها هذا العالم المجهول.

الجن ذُكر في القرآن في مواضع عدة ومعروف إلينا كمسلمين مدى قوته ومدى ضعفه وما هي طبيعة قدراته والآية واضحة وصريحة في سورة سبأ بالحديث عن ما ملكه الله لسيدنا سليمان من قوى بقوله: "وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ". إنه يقول (بإذن ربه) فلماذا إذًا نُضيق العالم علينا وهو الذي سخره الله لخدمتنا! أرى أنه من غير المنطقي أبدًا أن يخاف شخص ما من قوة الجن ولا يخاف من الله الذي خلق الجن، فأيهما أقوى!

هل رأيت يومًا مريضًا لا يعرف مدى خطورة مرضه ويخشاه؟ على العكس فإن علم النفس يؤكد الشخص الذي يتوهم إصابته بمرض ما فإن أعراض المرض ستظهر عليه وعندما يقوم بإجراء التحاليل سيُفاجأ أنها تؤكد أن صحته جيدة وكل ما يشعر فيه مجرد وهم تمامًا كالحمل الكاذب، ثم إن المريض الذي يُعاني من نفسية سيئة فإن العلاج لن يؤثر فيه في المقابل الذي يكون مصابًا بمرض خطير ويتمتع بنفسية جيدة أي يدرك في عقله اللاواعي أنه سيشفى فإن فعالية العلاج ستكون أقوى وأسرع عليه.

في الخلاصة فإن "الظن" وما يقبع في تفكيرنا اللاواعي هو ما يُسير كافة أعمالنا, فلو كان لدى أحدٍ منّا ظن وقناعة أن جنًا يتلبسه فإنه سيبدأ بالشعور بكل ما سمعه من خرافات وخزعبلات وأوهام من الناس قبل كذلك، وحتى يخرج الإنسان من هذه القوقعة ويشفى مما أصبح يشعر به فعليًا ويلمسه, عليه أن يتوجه إضافة للعلاج بالقرآن إلى أخصائي علم نفس لأن العلم الذي يدرس كل ما هو غيبي سواء سحر أو جن أو حسد هو علم يسمى "باراسيكولوجي" وهو أحد فروع علم النفس.