كثيرةٌ هي الشكاوى التي تثقل كاهل صيادي غزة، وتكدر عليهم حياتهم، إلا أنَّ أمرَّها وأقساها على النفس كما يروي الصياد "أبو علي"، ذات العلاقة بملاحقة بوارج الاحتلال الإسرائيلي الحربية لهم ومراكبهم واعتقالهم في عرض البحر؛ بهدف الإيقاع بهم في "شباك التجنيد"، وابتزازهم بمعادلة "الرزق مقابل المعلومة".
يقول "أبو علي" -وهو اسم مستعارٌ- لصحيفة "فلسطين": إنه ومنذ سنوات طويلة يعمل في عرض البحر، وكثير من الاعتقالات التي جرت له ولغيره من الصيادين كانت دون أسباب، وتحت ذرائع واهية وسرعان من اكتشفوا رويدًا رويدًا أنَّ وراءها هدفًا واحدًا وهو "التجنيد".
وأضاف "أبو علي" أنه في إحدى مرات دخول البحر، في رحلة بحث عن الرزق، تعرض مركبه لإطلاق نار من بارجة حربية إسرائيلية، وقد أصيب وهو على متنها بطلق ناري في القدم، إلا أنَّه طلب من زميله على المركب سرعة الإبحار شرقًا تجاه الميناء، وعدم التوقف البتة لإمكانية اعتقاله.
ضغط وتهديد
كان الصياد "أبو علي" يدرك تمامًا أنَّ اعتقاله مصابًا يعني مزيدًا من الضغط والتهديد والابتزاز، واللعب على وتر العلاج مقابل "التجنيد"، وهو ما لا يمكن أن يقبله مطلقًا، وفق قوله.
وفي عدد من المحطات السابقة، كشف صيادون غزيون النقاب عن ضغوط إسرائيلية، تجري بعد اعتقالهم في عرض البحر لتجنيدهم عملاء للاحتلال، وتقديم معلومات لضباط جهاز "المخابرات" الإسرائيلي على مستوى قطاع الصيد، وعلى مستوى المجتمع الفلسطيني بشكل عام مقابل مغريات.
وليست حكاية الصياد "أبو علي" استثناء أو حالة منفردة، إذ إنَّ كثيرًا من الصيادين تعرضوا لمواقف مشابهة وفق ما يؤكده المختص في الشأن الأمني، والناطق باسم حملة التحصين المجتمعي بغزة، محمد أبو هربيد.
وقال أبو هربيد: إنَّ البحر بؤرة من بؤر الاستهداف التي يعمل عليها "الشاباك" الإسرائيلي لتجنيد العملاء من خلالها، ويجد الصياد نفسه مستهدفًا وعرضةً للابتزاز والمساومة على لقمة عيشه غير المتاحة إلا في مهنته.
طبقة بسيطة
وأوضح أنَّ الاحتلال عمل على ابتزاز كثيرٍ من العاملين في قطاع الصيد، والحديث معهم بمنطق "أسمح لك بالعمل في الصيد مقابل تقدم المعلومات والتخابر"، وذلك بما يصب في صالح تزويد أجهزته الأمنية بالمعلومات والأنشطة التي تريد.
وأكد أبو هربيد أن طبقة الصيادين ورغم كونهم طبقة مجتمعية بسيطة وفقيرة، فإنهم وبرسم الواقع والمشهد الحي، لم تثنهم عروض الترغيب والتهريب والاعتقال، والمنع من الصيد أو مصادرة قواربهم وشباكهم، أو حتى تحطيمها عن القيام بواجبهم الوطني في صد كل المحاولات الخبيثة.
وأضاف أن "كل الأدوات الخشنة والعنيفة ضد هذه الطبقة تدل على صلابتها ورفض كل المغريات والتهديدات للسقوط في براثن التخابر والعمالة".
ويعمل حوالي 3700 مواطن من قطاع غزة في مهنة الصيد على طول 40 كيلومترًا من ساحل القطاع الذي يتحكم الاحتلال في قرار العمل داخله والمساحات المعمول بها.
وفي إحصائية حصلت عليها "فلسطين" من نقابة الصيادين، اعتقلت سلطات الاحتلال العام الجاري في عرض البحر (26) صيادًا، والعام الماضي (70) صيادًا، وفي 2017م اعتقلت (39) صيادًا، في حين كان في 2016م نسبة الاعتقال الأعلى (139) صيادًا، وفي 2015م (73) صيادًا.
محدودية المصادر
الخبير بالشؤون الأمنية د. إبراهيم حبيب، يرى أنَّ أسباب تركيز "الشاباك" الإسرائيلي على الصيادين، ترجع إلى محدودية المصادر البشرية التي تزوده بالمعلومات، حيث يعد البحر ركنًا مهمًا إلى جانب المعابر للوصول إلى الأفراد ومساومتهم.
وقال حبيب لـ"فلسطين": إنَّ البحر أمام الاحتلال بوابة مفتوحة على قطاع غزة، يتحرك فيه الصيادون، يمكن من خلاله أن يفتح بوابة تدر عليه المعلومات التي يبحث عنها، لا سيما أنه يدرك أن البحر بمن فيه أقل عرضة للمراقبة والمتابعة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وأشار إلى أن البحر تحول بالنسبة للصياد من وجهة للصيد والرزق إلى كابوس وضغط بفعل الاحتلال وسياساته وانتهاكاته، حيث يحاول الأخير استغلال بحث الصياد عن لقمة العيش وجلب الرزق لأبنائه للضغط باتجاه "العمل والتعاون معه".
وفي وقت سابق، أفادت تقارير حقوقية بتخلي نحو 15% من الصيادين عن مهنتهم، وذهابهم لمهن أخرى بسبب انتهاكات الاحتلال، في حين ثمة حوالي 20% من الصيادين، باتوا يقتصرون في عملهم على مواسم هجرة الأسماك.