وإلى الأبد، انتهى مشروع التسوية القائم على حل الدولتين، فما جرى على أرض الضفة الغربية من تغيرات ديمغرافية وجغرافية حسم الأمر، وأثبت للعالم كله بأن حل الدولتين قد مات عمليًا، وتم دفنه في مقابر المستوطنات اليهودية، وذلك قبل لقاء نتنياهو ترمب، وقبل مؤتمرها الصحفي الذي جاء انعكاسًا لهذا الواقع القائم، وهذه الحقيقة يتوجب ألا ينكرها القادة الفلسطينيون أنفسهم، والذين راحوا يطرحون بشكل اعتراضي مشروع الدولة الواحدة بديلًا لمشروع الدولتين.
فهل كانت إسرائيل دولة غبية لتلجأ إلى المزراب هروبًا من الدلف؟
إسرائيل التي فكرت بمستقبلها، وخططت له جيدًا، ورسمت معالمه على ورق كروكي، وحددت أدوات التنفيذ بدقة متناهية، إسرائيل هذه ليست غبية لتسمح للفلسطينيين بقطف ثمار أرض لم يحرثوها، ولن تعطي إسرائيل للفلسطينيين فرصة التشويش على مخططها، والمطالبة بالدولة الواحدة الديمقراطية، التي يكون فيها الغلبة للتطور الديمغرافي الفلسطيني، لذلك أعدت إسرائيل الأرض للحل الإقليمي مبكرًا، وقبل أن تصحو قيادة السلطة الفلسطينية على الواقع العنيد؛ الذي يحول دون تطبيق حل الدولتين، ولا يسمح في الوقت نفسه بطرح فكرة الدولة الواحدة.
فما الحل الإقليمي؟
الحل الإقليمي الذي أعدت له القيادة الإسرائيلية عدتها، ومهدت له الأرض من زمن الحروب الطائفية، يقوم على التقاء المصالح بين إسرائيل وبعض الدول العربية على قلب عدوٍ واحد، حلٌ يشق الطريق لشرق أوسط جديد آمن، ويدور في فلك السياسة الأمريكية، شرط خلوه من الصراع العربي الإسرائيلي، إنه حل يقوم على التخيل الإسرائيلي في السيطرة الأمنية على أرض فلسطين التاريخية، ويضمن في الوقت نفسه السيطرة الاقتصادية على مقدرات دول المنطقة.
أما تفاصيل الحل الإقليمي فتعتمد على حل القضية الفلسطينية وفق رؤية سياسية شاملة، تقوم على تبادل الأراضي على مستوى المنطقة ككل، وبما يضن قيام دولة فلسطينية في غزة، بعد أن يضاف إليها مساحة أرض من شمال سيناء تعادل ضعف مساحة قطاع غزة الحالي، على أن تتنازل إسرائيل لمصر عن مساحة أرض مماثلة جنوب غرب النقب، تسمح بالتواصل البري بين الأردن ومصر، وكما جاء في الخطة التي أعدها رئيس الجامعة العبرية السابق البرفسور "يهوشع بن أريه"، يتنازل الفلسطينيون عن مساحة الأرض التي تسيطر عليها المستوطنات، والتي تقدر من 40% إلى 60% من مساحة الضفة الغربية، ليصير تحقيق السلام بين الدول، مع ضرورة إنعاش المنطقة بملغ 150 مليار دولار أمريكي، وعشرات المشاريع الاستثمارية.
وماذا بشأن الفلسطينيين وقضيتهم السياسية والحياتية؟
سيربح الفلسطينيون دولة مستقلة معترف بها دوليًا في قطاع غزة، دولة قادرة على استيعاب مئات آلاف اللاجئين من لبنان وسوريا، ومدعومة دوليًا بالمال، تحقق للفلسطينيين هويتهم الوطنية.
أما بشأن الضفة الغربية، فإن الحل الإقليمي يقضي بضم منطقة ج إلى إسرائيل، وإعطاء الهوية الإسرائيلية إلى الفلسطينيين المقيمين في هذه المنطقة، والذي يقدر عددهم من 50 إلى 70 ألف مواطن فلسطيني، يقطنون وسط نصف مليون مستوطن يهودي.
ويقضي الحل الإقليمي بقيام كيان حكم ذاتي لسكان المدن الكبرى في الضفة الغربية، أو يصير إلحاقهم الإداري بالأردن، على أن يظل الأمن من البحر إلى النهر بيد إسرائيل.
فماذا بوسع القيادة الفلسطينية أن تفعل لصد هذه الأعاصير السياسية المدمرة؟
1-قد تلجأ القيادة الفلسطينية إلى مواصلة بيع الوهم على الشعب الفلسطيني، وأن تواصل التنسيق الأمني، وهي تدعي أن حل الدولتين ما زال قائمًا، ولا يستطيع أحد تجاهل القيادة الفلسطينية، وأنها لن تتنازل عن الثوابت الوطنية، وأنها ستلجأ إلى مجلس الأمن مرة أخرى، وستلجأ إلى محكمة الجنايات الدولية، وأنها ترفض الحلول الإقليمية.
وهذا هو الموقف الذي ترجوه إسرائيل، وتتمناه، فطالما ظل الأمن منضبطًا في الضفة الغربية، ستواصل إسرائيل انضاج طبختها الإقليمية وفق أوار النيران المتأججة في المنطقة.
2-أن تلجأ القيادة الفلسطينية إلى الشعب الفلسطيني، وتحتمي في أحضانه، وذلك من خلال إطلاق سراح المعتقلين في سجون السلطة، ووقف التنسيق الأمني، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في بيروت وموسكو، بما في ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية، والاعتذار للشعب عن خطأ المسار السياسي الفاشل، وتشكيل قيادة سياسية جماعية، تقود العمل الوطني اليومي، وتتخذ القرارات الوازنة.
وهذا المسار لا تسمح فيه إسرائيل، وستمارس الضغط على قيادة السلطة الفلسطينية التي ستجد نفسها محاصرة بين مواقفها السياسية التي تتعارض مع مصالح بعض رموزها، وإغراءات الربح من الدعم المالي الذي سيتدفق على المنطقة.
3-أن تقف القيادة الفلسطينية أمام مسئولياتها، وأن تعلن عن فشل مشروع التسوية، وتقوم بحل السلطة الفلسطينية، وتسريح الأجهزة الأمنية، وأن تعيد أمانة التمثيل الفلسطيني إلى مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد الشهر القادم في عمان، وفي هذه الحالة سيشق الشعب الفلسطيني طريقة الخشنة متسلحًا بإرادته، وسيرفض كل الحلول الإقليمية بالتضحيات، لتجد الدول العربية نفسها غير قادرة على المشاركة في أي حلول إقليمية.
إن تحميل الدول العربية المسئولية المباشرة عن حل القضية الفلسطينية في هذه المرحلة، لهو الطعنة النجلاء في خاصرة مشروع الحل الإقليمي الذي تسعى إليه إسرائيل وأمريكا.