لكن هذا الاحتواء للعنف الذي اجتاح شوارع المدن الإسرائيلية هو نصف الحل لهذه الأزمة التي قد تعصف على المدى الطويل بتماسك المجتمع الإسرائيلي نفسه ووضعه على أول طريق الحرب الأهلية، أما النصف الآخر فسوف يتمثل في سعي النخبة الحاكمة في إسرائيل للبحث عن خطر خارجي يعيد «توحد» اليهود في مواجهته، قد يكون ذلك بإشعال حرب ضد إيران، أو ضد حزب الله في لبنان، مع فتح جبهة قتال ضد غزة.
العديد من الصحف الإسرائيلية حذرت من خطر تفتت (إسرائيل) من الداخل بسبب الممارسات العنصرية ضد الفلاشا، وضد اليهود الشرقيين «السفارديم» وإن بدرجة أقل حدة، وضد الفلسطينيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ووجهت انتقادات لاذعة للتركيبة العنصرية التي يتشكل منها المجتمع الإسرائيلي، لكن اليمين المتطرف الذي يحكم (إسرائيل) بتأييد شعبي واسع يضرب عرض الحائط بكل هذه التحذيرات، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح من خلال السماح للشرطة باستخدام مستوى مبالغ فيه من العنفــ بالمقاييس الإسرائيلية ــ ضد مظاهرات الفلاشا، واكتفاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتعبير عن أسفه لمقتل الشاب الإثيوبي برصاص شرطي إسرائيلي، دون أن يعد باتخاذ أي إجراءات محددة تنتشل الفلاشا من قاع السلم في المجتمع الإسرائيلي، أو تغيير نظرة اليهود البيض لهم باعتبارهم «عبيدا» مشكوكا في يهوديتهم، أو حتى مساواتهم في الوظائف والرواتب مع بقية اليهود، أو حتى إجبار المستشفيات الإسرائيلية على قبول تبرعهم بالدم لا اعتباره «نجاسة» يجب أن تلقى في القمامة.
نتنياهو نفسه أقر في تصريحات صحفية أخيرا بأن «قانون القومية» الذي أقره الكنيست منذ عدة شهور، يستهدف دولة اليهود فقط، وأن أمام الفلسطينيين داخل إسرائيل 22 دولة عربية يمكنهم أن يرحلوا إليها إن لم يشعروا بالسعادة من هذا القانون، وهو ما يعني تصعيدا عنصريا جديدا ضد السكان الأصليين لفلسطين المحتلة.
كل الأوضاع الإقليمية والدولية تتيح لنتنياهو القفز على الأزمات الطاحنة التي تواجهها إسرائيل، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقف في ظهره، ويوفر له كل الدعم السياسي والعسكري، وبعض العرب يسعون للسلام معه بكل السبل وعلى حساب حقوقهم ومصالحهم، ويقدمون التنازلات تلو التنازلات بدون أي مبرر منطقي.
لكن ما تتجاهله كل هذه الأطراف هو أن المستقبل له حسابات أخرى، الدول العنصرية مهما بلغ جبروتها سوف تتآكل من الداخل وربما تنفجر إلى شظايا، الشعوب قد ترضخ لسبب أو لآخر لسياسات لا تلبي حقوقها ومصالحها، لكنها في نهاية الأمر ستنهض لاستعادة هذه الحقوق، وحتى الدول الكبرى لن تستطيع فرض إرادتها عليها، فموازين القوى العالمية تتغير باستمرار، وهيمنة أمريكا على مقدرات العالم لن تستمر للأبد.
رياح التغيير قادمة لا محالة وسوف تزيح من طريقها كل من يتصور أنه يستطيع وقفها أو حتى تغيير اتجاهاتها!
الشروق المصرية