المزعج في الحالة الرقمية الفلسطينية هو انتشار ظاهرة "التصيد" بين مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية، فلا يكاد يقع خطأ، إلا وينبري بعض الأفراد لاستغلاله بصورة مشبوهة، تحقيقاً لأهداف حزبية-سياسية، أو إشباعاً لرغبات نفسية. والتصيد، بمفهومه الاجتماعي تعبير عن سلوك سلبي يمارسه الأفراد، إما لحرف النقاشات عن مسارها الأصلي، أو البحث عن زلات الآخرين والتركيز عليها وتضخيمها، أو إثارة الكراهية والانقسام بين المجموعات البشرية. وعلى المستوى السيبراني لا يختلف المفهوم كثيرا، بل تزداد خطورته إذا ما سار بشكل دعائي منظم ومخطط، تشرف عليه جهات مجهولة أو معلومة.
ومن الأمثلة الحية على سلوك التصيد ما ارتبط بالموضوعات التي أثارها القيادي في حركة حماس، فتحي حماد، في خطاب له أمام عدد من المشاركين في مسيرات العودة الجمعة الماضية. فالرجل، وإن أخذته الحماسة، تعرض لحملة تصيد واسعة وكبيرة على الشبكات الاجتماعية، خاصة فيسبوك، تنوعت بين التشهير بشخصه، والسخرية من كلامه، وصولاً إلى المطالبة بإسكاته، ومنعه من التصريح لأي وسيلة إعلامية. ولأننا نعلم الفرق جيداً بين النقد البناء والآخر الهدام، نستطيع الجزم بكل ثقة أن غالبية منتقديه من فئة المتصيدين، أصحاب الخلفيات الحزبية المنافسة لحركة حماس، الأمر الذي يؤكد سلبية استخدامنا للشبكات الاجتماعية، وانحرافنا عن القضايا الرئيسة باتجاه الفرعية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن سلوك التصيد الذي رافق خطاب "حماد"، وفر للعدو أرضية ملائمة لإعداد تقرير إعلامي خبيث، يرى في موضوعات الخطاب هدية مجانية تخدم جهود (إسرائيل) في مجال الدبلوماسية العامة الموجهة للخارج. ولأن الخطاب احتوى كلمات وجملا لا داعي لها، إلا أن التقرير "الإسرائيلي" لم يكن بالبراءة التي يظنها البعض، فتوقيت نشره يوحي وكأنه استغلال للمزاج العام المتشكل على شبكة فيسبوك، الأمر الذي يخدم جهود (إسرائيل) في تعزيز الانقسام، وتشويه قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، وصولاً إلى إيجاد حالة من انعدام الثقة بينها وجموع الشعب.
وقد يسأل أحدهم عن العلاقة بين التصيد والتقرير "الإسرائيلي"، وهنا أجيب أن الممارسات الدعائية للكيان في الآونة الأخيرة باتت تعتمد على قراءة المزاج الجماهيري الفلسطيني العام، الذي يتجلى أمامها بوضوح عبر الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي يسمح له باختيار موضوعات وصياغة رسائل تنسجم مع هذا المزاج، ولكن بصيغة تخدم أهدافها. وطبيعي عندما ترصد (إسرائيل) لمزاج متصيد، إلا من رحم ربي، فستعمل على استغلاله سريعا، سيما وأننا في عصر الدعاية الصاروخية، التي لا تتطلب التأجيل.
ومن هنا نستطيع القول: إن سلوك التصيد بات يحمل تبعات خطيرة على الوضع الفلسطيني، وإن حالة "فتحي حماد" لن تكون الأخيرة، فالمشكلة تتجسد في طريقة استخدامنا وتوظيفنا للشبكات الاجتماعية، بعيداً عن خلافاتنا السياسية، أو حتى الشخصية.