ناقشت هذه السطور يوم أمس تأثيرات الدورة الانتخابية الإسرائيلية الجديدة على الوضع الأمني في قطاع غزة، ومدى تدحرج الأمور إلى مواجهة عسكرية عشية ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع في سبتمبر، أو شراء الطرفين، المقاومة والاحتلال، لمزيد من الوقت بانتظار تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
في الضفة الغربية تبرز العلاقة الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية، التي تشهد توترا سياسيا متناميا في الشهور الأخيرة، لاسيما بعد القرار الإسرائيلي بتقليص أموال المقاصة بحجة دفع رواتب ومكافآت أهالي الشهداء والأسرى الفلسطينيين، الأمر الذي جعل السلطة تقترب من وضعية الانهيار بفعل تواصل أزمتها المالية، بسبب عجزها عن دفع رواتب موظفيها، وعدم قدرتها على القيام بأعباء إدارتها لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية بقرارها هذا صعدت إلى شجرة عالية، ورغم قلقها من خيار انهيار السلطة الفلسطينية، لما له من تبعات أمنية واقتصادية لا تريدها، فقد تقدمت بجملة بدائل وحلول مؤقتة للسلطة لإيجاد تسوية لموضوع أموال المقاصة، لكن الأخيرة رفضتها كلها، وما زالت تصر على استعادة كل أموالها دون نقصان، مما يعني أن الأسابيع القادمة لن تشهد على الأرجح أي تراجع إسرائيلي في القرار، لأنه يحظى بموافقة اليمين بأسره.
بجانب الأزمة المالية للسلطة، تظهر أزمات قادمة في الطريق مع إسرائيل عشية الذهاب لانتخاباتها المبكرة، لعل أخطرها إمكانية أن تعلن عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية مستغلة وجود إدارة أمريكية تقف على يمين اليمين الإسرائيلي، ولا تجد مشكلة في مثل هذا الإجراء كما جاء على لسان السفير الأمريكي في تل أبيب مؤخرا، باعتبار أن ذلك من حق إسرائيل.
أكثر من ذلك، فإن القطيعة السياسية القائمة بين رام الله وتل أبيب تتزامن مع اقتراب إعلان صفقة القرن الأمريكية، رغم تزايد الحديث عن إمكانية تأجيلها، لكن استمرار الرفض الفلسطيني للصفقة قد يشجع تل أبيب وواشنطن على تجاوز السلطة ورئيسها، بالبحث عن قيادات سياسية واقتصادية بديلة، مما ينذر بوصول عملية التسوية كلها إلى مفترق طرق خطير.
هذه المواقف اليمينية تمنح خصوم الليكود أوراقا انتخابية قوية، تحذّر من خلالها جمهور الناخبين من تبعات هذه السياسة العدمية التي تريد العودة بالتاريخ عقودا طويلة إلى الوراء، لمرحلة ما قبل اتفاق أوسلو، وتوريط الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهو كابوس يخشاه الإسرائيليون.
أخيراً.. تكشف هاتان القراءتان أهمية ومركزية الملف الفلسطيني على طاولة المرشحين والناخبين الإسرائيليين، مما يفسر صدور مواقف إسرائيلية متباينة من الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، وتجاه حماس والسلطة الفلسطينية، ويجعل من الانتخابات الإسرائيلية شأنا فلسطينيا بامتياز، وليس شأنا إسرائيليا داخليا!