الخلاف في الرأي وفي وجهات النظر سُنةٌ من سنن الله في خلقه، لكن الذي يحدث لدى كثير من الناس أن هذا الخلاف يؤدي إلى اختلاف القلوب، فتحدث الخصومة والشقاق، ويا ليت الأمر يتوقف عند ذلك ولكنه يتردى بكل أسف إلى الفجور في الخصومة، ترى ذلك عندما يختلف شخص مع زميله أو صديقه أو رحمه أو جاره أو مؤسسته التي كان يعمل بها أو جماعته التي كان ينتمي لها!
ومن أشكالها، أن الفاجر في الخصومة يسبق لسانه عقله، وطيشه حلمه، وظلمه عدله، لسانه بذيء وقلبه دنيء، ليس لديه حدٌّ ولا ضابط، غايته تبرر وسيلته، يتلذذ بالتهم والتطاول والخروج عن المقصود، يزيد على الحق مائة كذبة، وترونه كالذباب لا يقع إلا على المساوئ، ينظر بعين العداوة، فلا يعد محاسن الناس إلا ذنوباً، ترونه أكالاً للأعراض، همَّازًا مشاءً بنميم، معتدياً أثيماً، له طبع كطبع الدود، لا يقع على شيء إلا أفسده أو قذَّره، لا أمان له ولا ستر لديه، فيه طبع اللئام؛ فإن اختلفت معه في شيءٍ حقير كشف أسرارك وهتك أستارك وأظهر الماضي والحاضر !
ولما كان النفاق لؤماً صار الفجور في الخصومة ثلث هذا اللؤم؛ فيجمع دمامة طبع ولؤم لسان، وكذلك اللؤم تتبعه الدمامة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
والعجب كل العجب أن بعض الناس يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والزنا والظلم والسرقة وغير ذلكم ويصعب عليه التحفظ من لسانه، الذي يفري في الأعراض ولا يبالي ما يقول؛ فيبغي على خصمه، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : "وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة – علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها- وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله".
ومن نظر إلى واقع المسلمين اليوم وما يكون فيها من التراشق المقروء والمرئي والمسموع لَيجد لذلك أشكالاً وألواناً ويسمع رجع صدى لهذه المعرة؛ لتصبح ثقافة الكثير أن الخصومة تبيح لهم كل محظور، مع أنَّ الإمام الشافعي –رحمه الله-قال: "وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى، وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ".