ترسخت في العقلية العربية فكرة مفادها أن المسئول الحكومي يفعل ما يحلو له وحين يخطئ لا يعترف بخطئه، وهذه النظرية لها من المنطق ما يبررها، فهي لم تولد من الفراغ، والواقع يؤكدها، ورغم سيطرة هذه النظرية، إلا أنها لم تمنع من وجود نوادر يتمتعون بمزايا ايجابية تسعد الجمهور، وعلى رأسها الاعتراف بالخطأ والعمل على معالجته.
الدافع لما سبق هو أنني طرحتُ على المراقب العام لوزارة الداخلية الأخ محمد لافي فكرة زيارته في عمله برفقة مجموعة من الأصدقاء الكتاب وأصحاب الرأي للتعارف والنقاش وتبادل الآراء، رحب بكل سعة صدر، ورحب الأصدقاء، تم اللقاء، وفيه طرحنا آراءنا وملاحظاتنا فتحدثنا عن الأخطار والمشاكل التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني وأهمية تكاثف الجميع، ودعم المواطن الفلسطيني والتخفيف عن كاهله لأنه عنصر أساسي في مشروع التحرير، وأهمية حفظ الجبهة الداخلية من الاختراق الصهيوني.
مارسنا فلسفة القرآن "وقفوهم إنهم مسئولون"، تحدثنا عن عمل الأجهزة الأمنية وما يصدر عنها من أخطاء وتجاوزات، فكان يستقبلها ويجيب عليها بكل صدق وثقة، كان جريئاً واعترف بأن لدى أجهزة الأمن بغزة أخطاء وتجاوزات، وأكد أن المعالجة والمتابعة موجودة لكل مسئول تدور حوله شبهة، حتى أنه تم فصل من تثبت عليه تهمة، وأكد أن مكتبه مفتوح لأي مواطن لديه مظلومية.
أخبرنا عن مبادرة يتم إنضاجها تقوم على متابعة قضايا سلبية مجتمعية مثل التسول، والشعوذة والمخدرات والانتحار وتعزيز السلوك القيمي، والتحصين المجتمعي، وعمل الأجهزة الأمنية، وقياس رأي المواطن بمدى الخدمات المقدمة له في الوزارات، وتفعيل دور المجتمع المدني في الرقابة على أداء المؤسسات الحكومية وتقييمه.
أطلعنا طواعية منه على تقارير أعدها للجهات المختصة سواء حكومية أو مؤسسات حقوق الإنسان بعمل الأجهزة الأمنية بكل ما صدر عنها من إيجابيات وسلبيات، مؤكداً أن ما يعلمه العامة قليل، وعلى من يرغب بمعرفة معلومة معينة أن يأخذها من مصدرها وأنه جاهز لتزويد الجهات المختصة بالمعلومات وفق القانون، مؤكدا أنه يتواصل مع كل منظمات حقوق الإنسان ويطلعها على الأحداث ويجيب على استفساراتها بكل وضوح.
إن روح الشفافية التي سادت في اللقاء تدفعني لاقتراح الآتي:
تعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة في العمل الحكومي من خلال اطلاع الشعب على ما يتم اتخاذه من إجراءات ضد أي مخالف للقانون مهما كان، وتفعيل دور المجتمع المدني من خلال لقاءات مع مختلف الشرائح بشكل دوري، وتفعيل مبدأ من أين لك هذا؟ للمسئولين، وأن تكون جلسات المتابعة للمسؤولين الكبار أمام نخب المجتمع ليطمئن الجميع.
أختم بتقييم اللقاء، كان لقاء مميزاً بشهادة الجميع، وإن من جميل الانطباعات، ما أخبرني بهصديقي الصحفي تامر قشطة حيث كتب لي "كم هو جميل أن تجد مسؤولاً يستمع إليك ويناقش معك جملة من الأفكار أبرزها: كيفية العمل من أجل تمتين استقلالية السلطات الثلاث التنفيذية، التشريعية، القضائية، والمساهمة في بناء مجتمع مدني يضم مختلف الأطياف والأفكار، والتصدي للتجاوزات الأمنية ومساءلة ومحاسبة المخالفين للقانون، ومناقشة جوانب من تجربة حكم فصيل مقاوم ونقد السلبيات، وإرساء مفهوم مصطلح تكافؤ الفرص بين ابن الرئيس والمواطن البسيط، ومواجهة سياسات التغول الأمني؟
وأرى أنه من الجميل ذكر أسماء المشاركين في اللقاء، الدكتور محمود عساف، الدكتور أكرم رضوان، الأستاذ أحمد أبو رتيمة، المحلل السياسي رامي أبو زبيدة، الصحفي تامر قشطة، الكاتب جبريل عودة، الشاعر أحمد عياش، الأستاذ نضال ورش أغا، الكاتب محمد شاهين، وأنا.