فلسطين أون لاين

​من أقام فرحة للناس فليخفف

جاءتني بطاقة دعوة لعرس فيها الفعاليات الآتية: الخطبة، والسهرة، والحنة، والزفة، والغداء، والقاعة، وطلعة العروس، والمباركة، وأصبح الواحد فينا يتنقل من عرس إلى آخر وفق برنامج مكتوب وجدول طويل لا يكاد ينتهي، ماذا لو اقتصر العرس على فعالية واحدة رحمة بالناس؟، هناك من يدعو الناس من الفضاء والقضاء، يكتب الدعوات حسب قائمة بطاقة المؤن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، هذا بخصوص اللاجئين، ولتغطية القدر الأكبر من الناس يذهب إلى قوائم الهواتف المنزلية والغرف التجارية وبقية الأسماء من فواتير الماء والكهرباء.

ويعود الواحد إلى بيته ليجد بطاقات الدعوات المباركات مصطفة ضاحكة شامتة، والأدهى والأمر عندما تأتيه من بقية المحافظات، فالشخص غير قادر على تلبية مناسبات بلدته كيف به وهو يشد الرحال من محافظة إلى ثانية؟!، ما الفائدة من كثرة العدد في الأعراس وكأنّ الله سيباهي بهم الأمم يوم القيامة؟!، ماذا لو اقتصر العرس على مائتين: مائة من جماعة العروس، ومائة من جماعة عروسه، وكفى الله المؤمنين شرّ الأعراس، وكأن الزفة المتواضعة العدد لا تليق بالمقام، لابد من "كومبرس" لأن المشهد السينمائي لهذا الفيلم ستشاهده الأجيال القادمة كفيلم الرسالة أو عمر المختار، فالمطلوب عرس ستتحدث عنه العرب وتباهي به الروم والفرس وبقية العجم.

وهناك من التكاليف ما تحدث به ولا عجب، في صيف واحد لقرية من قرى العرب -على سبيل المثال- تطلق المفرقعات التي تزيّن السماء، عشرون عرسًا لكل منه ألفا دينار ليكون المجموع أربعين ألف دينار فقط لزينة السماء المزعجة، يعني بالإمكان تغطية أقساط الجامعة لطلاب هذا البلد من غير إزعاج، وهنا لا نريد أن نتحدث عن تكاليف الولائم وإقامة السهرات الصاخبة لتصبح الأرقام هائلة، لندخل عالم الإسراف والمنافسة في الخيلاء والبطر.

ونجد الفعاليات الثقافية مثلًا في هذا الزمان تشكو إلى الله حالها، فئة قليلة من الناس بأرقام متواضعة تغشى هذه المناسبات، ولم الحضور؟!؛ فلا طبل ولا مفرقعات ولا مناسف ولا مجاملات.

في عصور التخلف يعلو شأن الصوتيات والتمظهر بالشكليات، الطبل يجمعنا والعصا تفرقنا، ولا صوت يعلو فوق صوت الطبول الجوفاء، لا أحد يفكر كيف نعمل على تهذيب هذه المسلكيات، هناك في بعض الدول التي تقدمت اجتماعيًّا يتفق الطرفان على عدد من المدعوين يدعون لإقامة حفل متواضع يقيمون فيه فرحة هادئة غير مزعجة، ولا مكلفة، ولا مرهقة لآلاف المدعوين دون أن يكون لهم ناقة ولا بعير ولا أرنب صغير.

إننا بحاجة ماسة لأن يجتمع مثقفو وأصحاب الرأي والقرار لكل بلد ليعقدوا ميثاق إقامة الأفراح بكل بساطة وارتياح، ومن أراد أن يتوسع فليتوسع بالإنفاق على طلاب بلده الذين كسرت ظهور آبائهم من ثقل أقساط الجامعة، أو مريض أثقلته تكاليف العلاج، أو... أو ... .

أيها الناس، إن استهلاك أوقات الناس في الأعراس خسارة بحاجة إلى إعادة النظر.