ما زال الإسرائيليون يتداولون أفكار الإدارة الأمريكية الخاصة بالمشاريع الاقتصادية للفلسطينيين، بين مؤيد ومعارض، وكان آخرها المقترح الأمريكي القاضي بإيجاد معبر آمن بين قطاع غزة والضفة الغربية.
الحقيقة أن هذه الفكرة الأمريكية انتشرت بوسائل الإعلام الإسرائيلية، وتصدرت عناوينها الأولى تتناقض مع التوجه الإسرائيلي الرسمي الذي يفضل استمرار الانقسام والانفصال بينهما، وهو ما ظهر في التعقيبات الأولية غير الرسمية لكبار مسئولي الجيش الإسرائيلي والخبراء العسكريين، ممن حذروا من الفكرة وتبعاتها.
يعبر الإسرائيليون عن مفاجأتهم أن تأتي الإدارة الأمريكية ذات المواقف المتطابقة معهم لتطرح خطتها الاقتصادية الخاصة بالفلسطينيين، وتتضمن هذا البند الذي يكلف أربعة مليارات دولار لبناء طرق وسكك حديدية لنقل البضائع والأفراد بين غزة والضفة الغربية.
ليس سراً أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لم تبد ارتياحها من هذه الفكرة، بزعم أن الربط بينهما سيسهل أمام حماس تنفيذ خططها العسكرية، لاسيما السيطرة على الضفة الغربية، وحماس تنتظر مثل هذه اللحظة التاريخية، ما جعل أوساط الجيش الإسرائيلي تعتبر الخطة الأمريكية منفصلة عن الواقع.
مع العلم أن الربط بين غزة والضفة ليس جديدا، فقد ورد في اتفاقات أوسلو وملاحقها التفصيلية، التي ذكرت مصطلح (المعبر الآمن)، وطرحت لتطبيقها مشاريع هندسية كالأنفاق والجسور، وفيما قصدت إسرائيل بكلمة الآمن حمايتها من العمليات المسلحة من خلاله، فقد عنى الفلسطينيون به أن يشكل معبرا مفتوحا حرا بين منطقتي دولتهم المستقبلية.
يذكر كاتب السطور إبان التوقيع على بروتوكول المعبر في أكتوبر 1999، حين بدأ مساره من معبر إيريز شمال القطاع وصولا إلى مفترق المجدل مرورا إلى ترقوميا، وكلها مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وبدأ عمله في أشهره الأربعة الأولى بصورة مقلصة جدا، وتذكر الإحصائيات الإسرائيلية أن عدد من سافر من خلاله 115 ألف فلسطيني، ونقل 6500 سيارة عمومية، 1700 حافلة عامة، و2100 مركبة خاصة.
بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، أغلقت السلطات الإسرائيلية هذا المعبر، بزعم أن الفلسطينيين استغلوه لأغراض عدائية، مثل نقل وسائل قتالية، وخروج عناصر محظور مغادرتهم غزة إلى الضفة.
هكذا تتعدد التحفظات الإسرائيلية من خطورة تشغيل المعبر بهذه المرحلة الخطيرة، حتى لو كان لأغراض اقتصادية، ولعل أهمها أن الإسرائيليين يعتقدون أن الأمر يتطلب تواجد كيان سياسي فلسطيني واحد يسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة في آن واحد.
وطالما أن هذا الواقع غير قائم اليوم، فقد يصبح لتشغيله أضرار أكثر من الفوائد، مع العلم أن الإسرائيليين يتفقون أنه ليس لديهم مصلحة بإيجاد رابط بين غزة والضفة، وتحويلهما لكيان سياسي واحد.