فلسطين أون لاين

​ "الجابي" شيفٌ مارسَ "الطهي" بـــ نَفَس "عازف العود"

...
نابلس / غزة - مريم الشوبكي


الطاهي كعازف العود، مكونات "أكلته" تحتاج إلى تناغم لتعزفها أنامله "بسلطنة" احترافية، وتنتج "طبقا" تتصاعد مع "نوتاته" رائحة آخذة تتمايل معها البطون، ولا يمل "الذواقة" من تكرار الاستمتاع بمقطوعات "أكلاته" في كل مرة وإن تشابهت.

هكذا يُشبّه رئيس الطهاة محمد الجابي "الشيف"، والذي يرى أن "الطاهي" يجب أن يجمع بين الموهبة والاحتراف، فأي شخص ممكن أن يكون طباخا، فالطبخ هو فن كباقي الفنون وعلم كباقي العلوم مع ضرورة أن يكون لديه ميول مطبخية، ولا ينقطع عن الممارسة والمعرفة حتى لا يصل إلى مرحلة يكرر فيها المكرر.

هندسة طهي

الشيف "الجابي" نشأ وترعرع في مدينة نابلس عام 1969، درس فن الطهي في بولندا لمدة ثماني سنوات، وفي عام 1995 عاد إلى مسقط رأسه ليكون من أوائل الطهاة في الضفة الغربية، وفي عام 2003 أسس أول مطعم له حيث كان من أوائل المطاعم في مدينته "بيت الطيبات"، وأسس مطعما آخر أسماه حياة نابلس "روزماري".

تحدث "الجابي" لـ"فلسطين" عن الظروف التي جعلته يكتشف موهبة الطهي، ورحلة الاحتراف المطبخي التي أوصلته لحصد الجوائز والمسابقات الدولية وآخرها "مهرجان الطهاة الدولي لفن الطهي والضيافة" الذي أقيم في مدينة اسطنبول التركية، ووصوله إلى مستوى المحكم.

قال: "سافرت إلى بولندا لدراسة هندسة أدوات طبية؛ ولكن لظروفٍ ما اتجهت نحو العمل في أحد المطاعم هناك لأكتشف ذاتيا وجود ميول لدي نحو الطهي وشغف لتعلمه، فتركت دراسة الهندسة بعد عامين، وتفرغت لدراسة فن الطهي والالتحاق بدوراته لتعلم أساسياته وبقيت مدة ثماني سنوات حتى عدت عام 1995 إلى أرض الوطن".

وأضاف الجابي: "لكنني واجهت في البداية صعوبة من تقبّل أهلي برجوعي إليهم "شيفا" وليس مهندساً، والآن يفتخرون بي لأني حققت انجازات في الطهي وأصبحتُ شخصاً يشار إليه بالبنان في وسائل الإعلام ، ما كنت سأحققها لو كنت موظفاً عادياً ولا يعلم أحد بي".

مفهوم الشيف

ومن الانجازات التي حققها "الجابي" كـــ طاهية على صعيد مدينته (نابلس) غير مفهوم لدى أهلها بمعنى "الشيف" بعيداً عن "الحمص" و"الفول" كما استهزأ به أحد قاربه، وبعد عقدين من العمل استطاع أن يوجه الناس نحو دراسة فن الطهي، كما أنه استطاع إدخال المطبخ الايطالي إلى نابلس وباقي مدن الضفة الغربية أيضاً.

بعد نحو 21 عاما كطاهية محترف، بدأ ينقل خبراته إلى غيره منذ أربع سنوات ليدرس الطهي في مدرسة مريم هاشم، واستطاع عمل توأمة بينها وبين اتحاد طهاة العالم في النرويج.

وعن حصوله على الميدالية الذهبية عن طبق مجدرة صنعه، قال: "شاركتُ في مسابقة طهي دولية في أوكرانيا وشاركتُ بصنعِ طبق المجدرة الفلسطيني التقليدي، واستطعت شد الوثاق لطبق التراث الفلسطيني حصد الميدالية الذهبية".

واستطاعت فلسطين حصد 13 ميدالية منها : 6ذهبيات و7 فضيات وبرونزية واحدة، وعلى المركز الثالث في مسابقة الصندوق الأسود من بين الدول المشاركة في مهرجان الطهاة الدولي لفن الطهي والضيافة والذي أقيم في مدينة اسطنبول التركية، مؤخراً بين الثاني إلى الخامس من شباط الجاري.

وترأَّس الجابي وفد الضفة الغربية في المهرجان والذي شكلَّه بجهدٍ شخصي، وعمل كمحكمٍ فيه، حيث خاض لمدة ثلاثة أيام دورة في التحكيم على هامش المهرجان، وفي اليوم الرابع شارك كحكمٍ خاص في المسابقات.

مشاركات فردية

وأعرب عن أسفه لعدم وجود تمثيل فلسطيني رسمي في المهرجان بخلاف الدول الأخرى المشاركة، حيث اقتصرت على المشاركات الفردية.

وأشار الجابي إلى أن الطاقم تدرب لمدة شهرين قبل المهرجان، وعمل على الابتكار في الأطباق الفلسطينية التراثية وتقديمها بأسلوب الطبخ الحديث، وتجلى ذلك في طبق مسخن السمك الذي حصد طاهيها الميدالية الذهبية، وفتة لحمة الخروف.

وقال: "الطعم الشرق الأوسطي يتميز بطعم زيت الزيتون والكمون والبصل، يشد الطباخين أكثر من غيره ويجذبهم الطعم وتوازن النكهات كما أنها مكونات تفتح الشهية".

وأشار إلى أن غياب التمثيل الرسمي في مهرجان اسطنبول، جعل المنظمين يقدمون الطهاة الفلسطينيين على أنهم من (اسرائيل) والتي كانت حاضرة بقوة في الدورات السابقة، ولكن اصراره وفريقه على أنهم يمثلون دولة فلسطين جعلهم يعتذرون عن الخطأ.

وشدد رئيس الطهاة الجابي على أن المشاركة في المسابقات ومحافل الطهي الدولية، للمحافظة على المطبخ الفلسطيني، وتقديمه بطريقة حضارية للعالم ففي بعض المحافل الدولية يعرفونه على أنه (اسرائيلي)، بالتالي نحاول قدر المستطاع كما السياسة والاقتصاد، أن نجعل الطبخ يعبر عن مورث ثقافة وحضارة المجتمع الفلسطيني.

ولفت إلى أن الطبق الفلسطيني التراثي حاضر في كل المسابقات التي يشارك فيها لإعادة المجد لها، وإدخال بعض التعديلات عليها لمواكبة المطبخ الحديث.

وقال الشيف الجابي : " المطبخ الفلسطيني من مطبخ حوض البحر المتوسط، والمعروف عالميا بأنه أطيب وأكثر نكهة من المطابخ الأخرى، شهرة المطبخ السوري واللبناني واسعة، يبقى أن نضع المطبخ الفلسطيني في مكانه، والمشاركة في المسابقات نوع من أنواع إثبات الهوية".

طموحات

سألته: لأيهم تميل أن تكون، "شيفا" أم "مدربا" أم "محكما"، فأجاب : " عمري 47 عاما لم أنقطع يوما عن الطبخ والتعلم وأخذ الدورات، لذا لا يمكن أن أكون مدربا أو حكما اذا انقطعت عن ممارستي للطبخ".

واستدرك قائلا : "تجربة التحكيم رائعة، أن أحكم على أطباق عالمية يجعلني معروفا ويؤهلني لخوضها في مسابقات الطهي العالمية، وهذا يثبت بأننا كفلسطينيين لا نتخلف عن أي شيفات في العالم وبإمكاننا أن نجاري الآخرين بل أن نكون أحسن منهم سواء في الطبخ أو التحكيم".

وعن طموحاته المستقبلية، عبر رئيس الطهاة الجابي عن طموحه على مستوى الوطن لرفع مستوى المطبخ الفلسطيني عالميا، وإقامة نقابة طهاة قوية للمشاركة في مسابقات محلية ودولية وتشكيل فريق طهاة من الضفة وقطاع غزة أيضا، أما على المستوى الشخصي فيخطط لدراسة "ماستر شيف"، ومستقبلاً يطمح لتأسيس مدرسة لتعليم الطهي.