رغم المشاركة الإسرائيلية في قمة البحرين، والنتائج المتحققة منها بدفع عجلة التطبيع مع الدول العربية إلى الأمام، لكن القناعة السائدة في الأوساط الإسرائيلية تزداد بأن الأفكار والمشاريع التي ستنجم عن القمة لن تحول غزة إلى سنغافورة، ولا الضفة الغربية ستصبح ماليزيا الشرق الأوسط.
ينطلق الإسرائيليون، أو بعضهم على الأقل، من مسألة أساسية تكمن في أنه بمعزل عن المسار السياسي فستصبح هذه الخطة مأخوذة من روايات خيالية، فمن لا يعرف الواقع القائم في المناطق الفلسطينية سيعتبرها مذهلة، لكن من يحاول تطبيقها على الأرض لن يبقى على ذات الوصف.
يكشف التشريح الميداني للخطة الأمريكية التي عرضت بصورة أكثر تفصيلًا في قمة البحرين أنها تتحدث عن ربط الضفة بغزة، مع أن الفكرة ليست جديدة، فقد وردت في اتفاق أوسلو، لكن ما تم لم يتجاوز معبرا مؤقتا في ترقوميا تم إنشاؤه لمرور الفلسطينيين، ثم أغلق فور اندلاع الانتفاضة الثانية أواخر 2000.
كما جاءت السياسة الإسرائيلية بتعزيز الفصل بين الضفة والقطاع لتقضي كليًّا على الفكرة، لأنها معنية بفصلهما، وفلسطينيون قلائل سمحت لهم بمغادرة غزة إلى الضفة، ولذلك فإن الفكرة التي تروجها صفقة القرن حول طريق بينهما تصلح لأن تكون في كتب الخيال، وليس الواقع.
فضلا عن هذه الفكرة، تدعو الخطة الأمريكية للنهوض بالواقع الرقمي والاتصالات لدى الفلسطينيين، والانتقال معهم من الجيل الرابع إلى الخامس، مع أنهم في الضفة حصلوا لتوهم على الجيل الثالث، وفي غزة الوضع أسوأ بكثير، فما زالوا يعملون بتقنية الجيل الثاني لاعتبارات أمنية إسرائيلية، مما يجعل الحديث الأمريكي مع الفلسطينيين عن منحهم الجيلين الرابع والخامس، يشبه الحديث مع طفل عن لعبة بلايستيشن، وهو يلعب لعبة الأتاري فقط.
توقف الإسرائيليون عند الحديث الأمريكي عن إقامة مشروع ريفيرا على طول 40 كم على طول شواطئ غزة، مع فنادق ومطاعم، الفكرة رائعة لو أن غزة لا تعيش واقعا تحاصره إسرائيل، وتمنع عنه الماء والغذاء والدواء والكهرباء.
كما تطرح الخطة الأمريكية إقامة مناطق صناعية، دون توضيح مكان إقامتها، ومن سيعمل فيها: فلسطينيون، إسرائيليون، أردنيون، ومصريون، ورغم أن الخطة تتحدث عن ربط السوق الفلسطيني بنظيره العالمي، فقد تناست أن نقل شاحنة بضائع من قطاع غزة تعتبر عملية معقدة لوجستيًّا وأمنيًّا.
كل ما تقدم من ملاحظات إسرائيلية يؤكد أن الخطة الاقتصادية الأمريكية ستكون أكثر عقلانية وإقناعًا لو قدمت بعد طرح الخطة السياسية، وليس قبلها، الأمر الذي يشير إلى إمكانية نجاحها بعد عقد أو عقدين، حين يتغير الواقع الجيو-سياسي في المنطقة، حتى ذلك الوقت فلن تصلح هذه الخطة لأن تكون نموذجا من مشروع مارشال، لأن الواقع هنا ليس أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.