لو تخيّلنا المشهد السياسي للمنطقة بعيدا عن إيران والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية لكان ذلك تماما كما كانت الحال عندما وقعت علينا وعلى فلسطين النكبة... لم يكن المشهد إلا مشهد هزيمة، دول عربية تابعة للمستعمر، فلسطين قد جعلها الانتداب البريطاني لقمة سائغة للوقوع في براثن العصابات الصهيونية، لا توجد مقاومة منظمة ولا يوجد دعم للثوار مع قلة عددهم وعتادهم، الأفق قد طمست معالمَه سحب الهزيمة السوداء واستعدت لإحلال نكبة على فلسطين وعلى الأمة التي سكت بعضها وتآمر البعض الآخر على ضياع فلسطين.
المشهد اليوم يشبه الأمس إذا شطبنا منه إيران والمقاومتين، وسوريا قد أشغلوها بحرب مدمرة أكلتها من الداخل، وتتصرف أمريكا والصهاينة على أن المنطقة قد دانت لهم وأن ما تبقى من فلسطين جاهز لإعلان السيطرة الكاملة، في حين الفلسطينيون بالإمكان حشرهم في معازل بشرية، وتتم مصادرة ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، بعدما قاموا به بخصوص القدس، وما رسالة ضم الجولان ببعيدة عن رسم المشهد بالطريقة العدوانية ذاتها التي لا ترى فيها أحد غيرها.
لذلك فإننا نجد أن هناك من لم يجرِ بما تشتهيه سفنهم، هناك من هو كالخنجر في خاصرتهم، يودون ويعملون ويوقدون نارا للحرب من أجل الخلاص من هذا الذي يعكر صفو سياساتهم للمنطقة، هناك في الشمال حزب الله الذي جعل خياراتهم صعبة في لبنان، كانوا يريدون للبنان أن تكون نزهة لدباباتهم، وسمائه ميدانا لعربدة طائراتهم، يصولون ويجولون ويرتبون الأوضاع اللبنانية لما تشتهيه نفوسهم العدوانية التوسعية البشعة، خرجت لهم المقاومة اللبنانية لتخرجه من لبنان مذموما مدحورا ولتصنع معادلة لا تجعل من خياراته سهلة على قدر يده ، بل جعلته يفكر ألف مرة بأي عدوان يمس كرامة لبنان. وكذلك في الجنوب خرجت له غزة ، فرغم حصارها وقلة عدتها وعتادها وإمكاناتهالمواجهة أقوى دولة في المنطقة بكل المقاييس فإنها جعلت من خياراته صعبة وجعلته كمن يبلع منجلا فوقف في حلقه.
وإذ تهرول الدول سلالة تلك التي صادقت على نكبة فلسطين سنة 48، وتتداعى إلى حفلة للرقص على جراحنا وهزائمنا وتحاول جاهدة إخراج نكبة جديدة لفلسطين بصفقة تنهي ما تبقى من القضية، في هذه اللحظة التاريخية السوداء في الأفق العربي التي تعدها دولة الكيان فرصة ذهبية، هناك برق ورعد المقاومة ومن يصطف معها في المنطقة ومن يؤيدها ويدعمها من الشعوب الحية. إيران في الخليج شئنا أم أبينا تحقق توازن رعب لأمريكا وحلفائها، والمقاومة في فلسطين وجنوب لبنان تقبض على جمر القضية لتجعل من خيارات الاحتلال صعبة وقاسية، فلم تعد مسألة الخيارات الصعبة لنا وحدنا بل هي أيضا لهذا الاحتلال وحليفته الشيطانية أمريكا. لذلك فالمقاومة هي رقم صعب تتحطم عليه كل مؤامراتهم ولن تكون فلسطين أبدا اللقمة السائغة بل هي منجل في حلوقهم وقضية مركزية للأمة مهما حاولوا تغييبها بطرح العدو البديل وهي الكاشفة لمحور الشرّ وحلفائه. المقاومة هي التي تجعل خياراتهم صعبة ولسنا وحدنا أصحاب الخيارات الصعبة.