قد تكون مفردة مثل (النخوة) غريبة الاستخدام في عالم السياسة إذ لا مكان لها في واقع التحالفات القائمة بالأساس على المصالح المتبادلة، وقد استبدل بها منذ زمن مصطلحات مثل التضامن والتحالف والعمل المشترك، وما إلى ذلك من مفردات السياسة.
ولكن طالما كانت (النخوة العربية) هي المحرك للكثير من الحروب سابقًا أو العديد من المواقف السياسية في الأزمان المتأخرة، ويبدو أن هذه المفردة اختفت ليس من القاموس السياسي العربي، ولكن من منظومة القيم التي طالما تغنت بها أمتنا، وتباهت بها بين الأمم ميزةً، يا للأسف!، فقدناها كما فقدنا الكثير من الأشياء الجميلة في حياتنا.
أن يخطط المحتل لتكريس احتلاله لأرضنا أمر يمكن فهمه في إطار المنطق، وأن تحدث تحالفات مصلحية بين القوى العظمى والمحتل أمر أيضًا مستوعب منطقيًّا في عالم السياسة القائم على النفعية أساسًا للعلاقات والمواقف، ولكن أن نصبح نحن جزءًا من منظومة الإضرار بأنفسنا، وأن ندفع ثمن الاحتلال لأرضنا، ونعمل على إدامته، ونحن ندرك أنه خنجر في خاصرتنا، وبدلًا من العمل على انتزاعه نسعى إلى تثبيته؛ أمر لا يمكن فهمه في أي سياق.
لطالما أعلن العرب مرارًا وتكرارًا أنهم يقبلون ما يقبله الفلسطيني ويرفضون ما يرفضه، واعتمدوا هذا الشعار وسيلة للتنصل من القضية الفلسطينية وتبعات قرارات صعبة في إطارها، وجاءوا دومًا بمن يعتقدون أنه يمكنه إعفاؤهم من تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه شعوبهم وحقوق أمتنا، ولكن اليوم لم يستطع قادة العرب الحفاظ على هذه القاعدة، ولم يجدوا فلسطينيًّا واحدًا يقبل ما يذهبون إليه في مؤتمر البحرين؛ فانهار شعارهم كما انهارت قديمًا النخوة العربية وسقطت، عندما كان قادة العرب يرون إخوانهم الفلسطينيين يقتلون ويذبح رجالهم ويقتل أطفالهم ونساؤهم وهم اكتفوا بالإدانة.
أما اليوم فغابت الإدانة، وجاء هذا المؤتمر ليتحول قادة العرب من مدافعين أو محافظين على الحق العربي إلى جزء من مخطط تصفية القضية الفلسطينية بعنوان صفقة ترامب أو صفقة القرن، التي أول خطواتها العلنية ستكون من مملكة البحرين العربية، يا للأسف!
وداعًا للنخوة العربية، وداعًا للتضامن العربي، وداعًا حتى لبيانات الإدانة والاستنكار، ونأمل ألا نستمع من عواصمنا وداعًا مقابلة، ولكن بالعبرية.