يطير جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأوراقه قريبًا إلى البحرين حيث ستنعقد ورشة عمل بمسمى اقتصادي، لكن الأمر هنا لا يتعلق بصفقة تجارية، بل بقضية فلسطين التي يجثم فوق أرضها آخر احتلالٍ في العالم.
وتشمل ما سماها فريق صفقة القرن خطة "السلام من أجل الازدهار" إنشاء صندوق استثمار عالمي بمزاعم دعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، ويبلغ حجم الخطة 50 مليار دولار؛ حسبما نقلت وكالة أنباء "رويترز" عن مسؤولين أمريكيين ووثائق اطلعت عليها.
وتأتي الورشة بعد اعتراف ترامب بالقدس المحتلة "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل)، وقطعه مساهمة بلاده في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مسعى لإنهاء دورها.
ويشهد هذا الجهد الأمريكي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع دوليا وعربيا وفلسطينيا على أنه مخططات إسرائيلية بالأساس، مقاطعة فلسطينية، بينما من المتوقع أن تشارك فيه دول عربية على نحو يوصف بأنه "خجول".
"الهدف المبطن هو الأعظم"؛ يبدأ الكاتب الأردني د. خالد عبيدات بهذه الكلمات في رده على سؤال حول الأبعاد السياسية لورشة العمل المذكورة، مضيفا: "كل ما يحصل من تمويه اقتصادي هو قشرة للؤم سياسية وللخبطة سياسية موجودة في أذهان راسمي هذه الخطة".
ويقول عبيدات في اتصال هاتفي مع صحيفة "فلسطين": ما نراه على السطح الآن يمكن أن أسميه "ضحكا على الذقون"؛ لأن القضية الفلسطينية بالأصل سياسية وتجاهل ذلك هو ضياع للوقت وتمويه، لن يجدي على الإطلاق.
ويبرز على رأس فريق صفقة القرن كوشنر، إلى جانب المبعوث الأمريكي لعملية التسوية في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وهو يهودي أرثوذكسي عمل محاميا في مجال العقارات.
ويوضح عبيدات أن ما جاء به فريق صفقة القرن لا يقرأ الواقع أي قراءة صحيحة.
وعما إذا كان "الشق الاقتصادي" من الصفقة قابلا للتطبيق، يجيب: سمعنا كثيرا فيما سبق عن خطط، وكل ما سمعناه ذهب أدراج الرياح، خاصة عندما يؤكد مهندس الصفقة أن الأمة العربية هي التي ستدفع، ولطالما كانت هناك وعودات لم ينفذ منها أي شيء.
ويتابع: أعتقد أن أثر الورشة سينمحي فور انفضاضها، وستنعقد بشكل باهت جدا.
ويصف عبيدات، كوشنر بأنه من "الأغرار في السياسة"، وهو لم يعرف كيف يلج إلى السياسة.
ويؤكد الكاتب الأردني أن الفلسطينيين هم أعرف الناس بتقدير مصالحهم ولا ينتظرون من كوشنر أو زملائه رسم مصالح الفلسطينيين والدول العربية.
وعن هدف تخصيص الصفقة 28 مليار دولار للضفة والقطاع ومبالغ أخرى للأردن ومصر ولبنان، يوضح عبيدات أن هذه الدول مرتبطة ارتباطا قويا بالقضية الفلسطينية، ويحاول كوشنر من خلال ربط هذه الدول بالصفقة دفع المطلع على الصفقة إلى الظن بأن هناك نوعا من الجدية في الأمر، وهو ما يعد تمويها.
مبادلة السيادة بالمال
وينبه عبيدات إلى أن مشاركة الأردن في الورشة "هامشية جدا"، قائلا: الدليل على ذلك أن المشاركة ستتم بطريقة رمزية بسيطة وسيرأس الوفد الأردني أمين عام وزارة المالية، ما يعني أن الأردن يذهب إلى هناك "إما من ناحية رفع العتب أو من ناحية أنه سيرى ويطلع على هذه المهزلة (المتمثلة بصفقة القرن) فقط"؛ على حد وصفه.
وكانت الخارجية الأردنية ذكرت في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية أنها سترسل رسالة توضح "موقف الأردن الراسخ والواضح بأنه لا طرح اقتصاديا يمكن أن يكون بديلا لحل سياسي ينهي الاحتلال ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق".
ويشير الكاتب الأردني إلى أن (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية لا تريد "حل الدولتين"، لكنه يبين أن "العقل العربي" لا يزال يؤمن بهذا "الحل".
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة د. حسن نافعة: إن البعد السياسي لورشة البحرين أوضح وأهم بكثير من البعد الاقتصادي؛ فهذه الورشة تريد أن تزعم أن مشكلة الشعب الفلسطيني هي إنسانية، وأن ضخ بعض الأموال وإقامة مشروعات تستهدف تشغيل العمالة الفلسطينية أو "توطين" اللاجئين في البلدان التي يقيمون بها حاليا إقامة مؤقتة سيساعد في حل المشكلة.
لكن نافعة يشدد في حديث مع صحيفة "فلسطين" على أن القضية الفلسطينية في جوهرها سياسية، وهي قضية شعب "اغتصبت أرضه" ومنع من إقامة دولته التي تتمتع بالسيادة.
ويؤكد نافعة أنه لا يمكن إطلاقا مبادلة السيادة والكرامة الفلسطينية بالمال مهما كانت قيمته، مردفا: لنفرض أن تنفيذ مشروعات اقتصادية لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني بدأ دون أن تتحقق التسوية ثم اندلعت الحرب، كل ذلك سينتهي بلحظة.
ووفق المحلل السياسي المصري، البداية يجب أن تكون تسوية سياسية قبل البحث في كيفية إقامة مشروعات اقتصادية، ودون ذلك لا يفيد حل المشكلة إطلاقا وليس له أي علاقة بانتشال الشعب الفلسطيني من أزمته الراهنة.
وفي القاهرة نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن متحدث باسم وزارة الخارجية المصرية قوله السبت الماضي إن وفدا مصريا برئاسة نائب وزير المالية سيشارك في ورشة البحرين، مبينة أن ذلك يأتي "في إطار الاهتمام المصري الدائم بأية محاولات للتعامل مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني الشقيق والالتزام الثابت بالعمل على تحقيق آماله (...) وعلى رأسها الحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 حزيران/يونيو 1967".
ويتفق نافعة مع عبيدات بأن صفقة القرن غير قابلة للتطبيق، مشيرا إلى أن الشعب الفلسطيني رفضها بشكل موحد ولن يستطيع أحد أن يفرض عليه تسوية لتصفية قضيته أو التنازل عن حقوقه السياسية مقابل "حفنة من الدولارات".
ويحذر نافعة من أنه "إذا انقسم الشعب" الفلسطيني فإن ذلك سيمثل "مشكلة كبيرة".
من جانبه يقول المحلل السياسي هاني المصري: إن المبالغ التي طرحه كوشنر محاولة لـ"إغراء الفلسطينيين ودفعهم لبيع القدس واللاجئين والاستقلال ومختلف تطلعاتهم الوطنية، بأموال عربية".
ويضيف المصري: "من المشكوك به جمع أموال طائلة لإدامة الاحتلال، خصوصا أن المشاريع التي يمكن أن تقام ستكون معرضة للدمار، كما فعلت قوات الاحتلال عندما أعادت احتلال الضفة وتدميرها من عام ٢٠٠٠-٢٠٠٤، وكما فعلت في قطاع غزة (٢٠٠٨ ،٢٠١٢ ،٢٠١٤) وكما لا تزال تفعل حتى الآن".
ويخلص المصري في منشور عبر صفحته في "فسبوك"، إلى أن "كل أموال الدنيا لن يقبل بها الشعب الفلسطيني مقابل بيع قضيته الوطنية التي يناضل من أجلها منذ أكثر من ١٠٠ عام".