قوبلت رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية في إطار خطة أوسع لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بازدراء ورفض وسخط في العالم العربي، وذلك رغم دعوة البعض في الخليج إلى منحها فرصة.
ويبدو أن تفاصيل القسم الاقتصادي من "صفقة القرن" الأميركية والمبالغ الطائلة التي تضمنتها ليست إلا حبرا على ورق، إذ إن التقديرات في البيت الأبيض تشير إلى أن دول الخليج، التي تقضي الخطة بأنها ستمولها، لن تحوّل أموالا قبل نشر القسم السياسي من الخطة التي تعارض دول عربية عدة.
وشكك مسؤولون وخبراء أميركيون وإسرائيليون وعرب، بعد نشر تفاصيل القسم الاقتصادي في "صفقة القرن"، في إمكانية تمويل المشاريع التي تقترح الخطة إقامتها في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والأردن ولبنان، بتكلفة خمسين مليار دولار.
وأشاروا إلى أن الوثيقة المتعلقة بالقسم الاقتصادي لا تتطرق إلى كيفية جمع هذا المبلغ.
تشكيك أمريكي إسرائيلي
ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إنه خلال ورشة المنامة، التي ستعقد الأسبوع الجاري، سيتم التباحث بين مندوبي الدول المشاركة في تمويل المشاريع، لكن التقديرات في البيت الأبيض تشير إلى أن هذا التمويل سيصبح عمليا فقط بعد أن تطلع هذه الدول على القسم السياسي لـ"صفقة القرن"، وخاصة بعد رد الفعل الإسرائيلي والفلسطيني عليه.
ورأى المسؤول الأميركي أن دول الخليج لن تموّل مشاريع الصفقة قبل التأكد من أنها ستنجح. وتشير التوقعات إلى أن القسم السياسي في "صفقة القرن" سينشر بعد الانتخابات العامة الإسرائيلية، في 17 أيلول/سبتمبر المقبل، أو ربما بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أي في تشرين الأول/أكتوبر أو تشرين الثاني/نوفمبر.
وحسب المسؤول الأميركي، فإن ورشة المنامة ستساعد الإدارة الأميركية في معرفة اهتمامات الدول بالمشاريع المطروحة، بمعنى أية مشاريع ستمول، ورسم الطرق المحتملة لدفع المشاريع التي تضمنها القسم الاقتصادي من الخطة.
وانتقد السفير الأميركي السابق لدى (إسرائيل)، دان شابيرو، الخطة، مشيرا إلى أنها تدعو إلى دفع مشاريع كانت قد حظيت في الماضي بدعم مالي أميركي، قبل أن تقرر إدارة الرئيس دونالد ترامب تقليص المساعدات المدنية للفلسطينيين من أجل الضغط على السلطة الفلسطينية.
وكتب شابيرو في حسابه في "تويتر" أن "الإدارة ألغت برامج مساعدات دعم كل واحد منها الأهداف التي تظهر الآن في الوثيقة الاقتصادية للخطة. وهم يطلبون من آخرين استثمار أموال في مشاريع كنا قد قلصنا تمويلها. فماذا سيكون رد الفعل برأيكم؟".
كما تواجه الخطة التي تطرحها إدارة ترامب، بتصميم وإشراف صهره ومستشاره، جارد كوشنر، لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الازدراء والرفض والسخط في العالم العربي، وذلك حتى قبل انعقاد الورشة يوم غداً الثلاثاء.
وتشمل خطة ورشة المنامة، بعنوان "السلام من أجل الازدهار"، إنشاء صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. ويبلغ حجم الخطة 50 مليار دولار ومن المتوقع أن يطرحها كوشنر خلال الورشة.
لكن الافتقار إلى حل سياسي، والذي قالت واشنطن إنها ستكشف عنه لاحقا، أثار رفضا ليس من الفلسطينيين فحسب وإنما أيضا في الدول العربية، التي تسعى (إسرائيل) إلى إقامة علاقات طبيعية معها.
في المقابل، نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن رئيس البرلمان علي لاريجاني قوله، إن الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط ”تعبث بكرامة الأمة“ وستؤدي إلى تعزيز المقاومة الفلسطينية ضد (إسرائيل).
وأضافت الوكالة نقلا عن لاريجاني ”ترامب يريد أن يعقد صفقة بشأن مصير الشعب الفلسطيني. وبينما يعد التلاعب بكرامة الأمة أمرا مشينا إلا أن ذلك سيجعل حركات المقاومة أقوى مع إدراك الفلسطينيين أنهم لا يمكنهم النجاح إلا بالمقاومة“.
ومن السودان إلى الكويت، استنكر معلقون بارزون ومواطنون مقترحات كوشنر بعبارات مماثلة بشكل لافت للانتباه، مثل "مضيعة هائلة للوقت" و"فاشلة" و"مصيرها الفشل منذ البداية".
وقال المحلل المصري جمال فهمي، إن "الأوطان لا تُباع، حتى مقابل كل أموال العالم... هذه الخطة هي من بنات أفكار سماسرة العقارات لا الساسة. حتى الدول العربية التي تُوصف بأنها معتدلة غير قادرة على التعبير علنا عن دعمها".
ورأى المعلق في جريدة "النهار" اللبنانية، سركيس نعوم، "هذه الخطة الاقتصادية، مثلها مثل غيرها، لن تنجح لأنها بلا أساس سياسي".
وصف السياسي الأردني السابق، جواد العناني، حالة الشك بأنها واسعة النطاق، بعد قراري ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بضم (إسرائيل) لهضبة الجولان. وقال إن "هذا نهج غير متوازن يفترض أن الفلسطينيين هم الجانب الأضعف وهم الذين يمكن أن يستسلموا للضغط بسهولة أكبر... هذه نكسة كبرى للمنطقة بأسرها".
من جانبه، رفض الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورشة البحرين الاقتصادية، قائلا: إن أي مشاركة بها "تتعارض مع الثوابت الفلسطينية والعربية والإسلامية، بل والإنسانية العادلة".
وقال الاتحاد في بيان: "اعترفت أمريكا بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال (في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017)، وتسعى لتنفيذ ما يسمى بصفقة القرن".
وأضاف مستنكرا: "بدلا من الرفض والمقاومة لهذه المؤامرة نرى هرولة لبعض قادة العرب بالأموال والمؤتمرات، وآخرها " ورشة الازدهار مقابل السلام بالبحرين".
البيع تحت راية الازدهار
وعلق نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، عزام الهنيدي، قائلا "إن الخطة الاقتصادية تمثل بيع فلسطين تحت راية الازدهار مقابل السلام دون إعادة الأرض، وإن دول الخليج العربية تتحمل الجزء الأكبر من الأموال"، مشيرا إلى أنها صفقة بأموال عربية.
كما دان حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، قرار الحكومة الأردنية المشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي وصفه بـ"المشبوه".
وقال أمين عام الحزب سعيد ذياب، إن القرار يعد تحديًا للإرادة الشعبية التي خرجت في مظاهراتٍ حاشدة يوم الجمعة، للمطالبة برفض صفقة القرن وعدم المشاركة بالمؤتمر.
ورأى ذياب أن القرار بمثابة تخلي عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من أجل انتزاع حقوقه الوطنية، كما رأى في المشاركة توريطًا حقيقيًا للأردن، ما سيؤدي للمساس بسيادته الوطنية وحقوقه وكيانيته بشكل كامل.
وطالب الحكومة الأردنية بالعودة عن قرارها والتناغم مع الإرادة الوطنية للشعب الأردني التي ترفض المشاركة في المؤتمر التطبيعي ورفض صفقة القرن وتصر على التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني.
وكانت وزارة الخارجية الأردنية قد أعلنت في تصريحٍ رسمي مشاركة الأردن في مؤتمر البحرين على مستوى أمين عام وزارة المالية؛ للاستماع لما سيطرح والتعامل معه وفق مبادئه الثابتة.
ويعتقد محللون عرب أن الخطة الاقتصادية تمثل محاولة لشراء معارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية برشوة قيمتها مليارات الدولارات للدول المجاورة التي تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين من أجل دمجهم.
وقال الأستاذ بجامعة كولومبيا، صفوان المصري، إنه "من المضلل أن نقول إن هذه الخطة اقتصادية بحتة لأنها لها بعد سياسي له آثار تتعارض مع الطموحات السياسية". ولفت إلى أن "جزءا كبيرا من الخمسين مليار دولار سيذهب إلى الدول المجاورة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك البلدان".
ورأي مهند الحاج علي، وهو زميل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، "أنها ستفشل فشلا ذريعا بينما تفيد خصوم الولايات المتحدة في المنطقة" في إشارة إلى إيران.
من جهته، أعلن حزب تيار الكرامة المصري رفضه لورشة البحرين وكافة ما ينتج عنها، وأدان كل من يشارك فيها سواء جهات حكومية او غير حكومية سياسية كانت أو اقتصادية، كما أعلن رفضه لكافة الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية، من إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني وضم الجولان.
وأشار الحزب في بيانٍ صحفي، إلى أن مثل هذه الخطوات ستضر ضررا بالغا بالمصالح الامريكية في المنطقة الى جانب أنها تخالف القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة.
وأعلن رفضه مسار التسوية مع العدو الصهيوني ونتائجها ومنها الاتفاقيات التي ابرمت معه (كامب دافيد و وادى عربة و اسلو) و كل مبادرة أو دعوة لا تتضمن كامل حقوق الشعب الفلسطيني في الارض والعودة مثل المبادرة العربية وما يطلق عليه صفقة القرن.
حراك شعبي
ولا يختلف موقف الشارع اللبناني من مؤتمر "ورشة الازدهار من أجل السلام" المزمع عقده في العاصمة البحرينية المنامة، يوم غداً وبعد غدً، عن الموقف الرسمي للبنان الذي أعلن عدم مشاركته في المؤتمر.
ويتوقع اللبنانيون إجمالًا فشل المؤتمر المخصص لبحث سبل جذب استثمارات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ودول المنطقة، في حال التوصل إلى اتفاق "تسوية" بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) بدعم أميركي.
وقال التاجر أحمد (٥٨ عاما): "لو أن العرب يتفقون وننتهي من هذا المرض، لأننا أغنى بلاد العالم، ولكن المؤامرات التي تنصب علينا أهلكت البلاد العربية".
أما محمود (٦٢ عاما) فتوقع فشل قمة المنامة، قائلًا: "كله كلام فارغ، ٦٠ سنة حرب في فلسطين وقمم، وهكذا سيبقى الوضع بفلسطين".
وفي العاصمة المغربية الرباط، جاب آلاف المغاربة من مختلف الأطياف السياسية والنقابية والتيارات الشوارع الرئيسية للعاصمة حاملين الأعلام الفلسطينية والمغربية مرددين شعارات مثل ”الشعوب قمعتوها، وفلسطين ضيعتوها“، وفلسطين أمانة والصفقة خيانة ”و“ ”ياترامب ياملعون فلسطين في العيون“.
وقال خالد السفياني المحامي والناشط الحقوقي والمنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي إن ”ما يسمى بصفقة القرن أو صفقة العار، بداية الإجهاز على القضية الفلسطينية والقدس وكل الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني“.
وأضاف ”الرسالة كانت قوية لكل من يهمه الأمر.. وهي تشير بشكل أساسي إلى أن صفقة القرن لن تمر بأي شكل من الأشكال، والمغاربة يعتبرون أن أي تورط في صفقة القرن وكل أشكال التطبيع خيانة".
ومن جهته قال حسن بناجح عضو الأمانة العامة لجماعة العدل والإحسان الإسلامية المغربية الغير المرخص لها “ مرة أخرى يثبت الشعب المغربي ارتباطه الوثيق بالقضية الفلسطينية ودفاعه المستميت عنها بمسيراته المشهودة.“
كما وصف إعلاميون وناشطون موريتانيون: مؤتمر المنامة بأن "باكورة يائسة لنبتة شريرة"، معتبرين أنه ليس سوى محطة فاشلة أخرى لتصفية القضية الفلسطينية.
واعتبر أحمد ولد وديعه، المنسق العام لـ"تنسيقية نصر القدس بغرب إفريقيا"، أن "مؤتمر المنامة" المقرر، بالعاصمة البحرينية، سيكون "محطة فاشلة لتصفية القضية الفلسطينية".
والتنسيقية هي هيئة معنية بالدفاع عن القدس، وتضم عددا من رؤساء المنظمات والهيئات الإسلامية الإفريقية المهتمة بالشأن الفلسطيني.
وأضاف ولد وديعه أن المؤتمر بمثابة "باكورة يائسة لنبتة شريرة يراد لها أن تستنبت في المنطقة".
وتابع: "مشكلة ترامب القادم من عالم الصفقات أنه يظن أن القدس وفلسطين هي مجرد سلعة يمكن أن تعقد حولها الصفقات، ويجهل أن فلسطين والقدس هي قضية مليار وأكثر من نصف مليار مسلم، وقضية كل الأحرار في العالم".
بدوره، اعتبر رئيس تحرير "صحيفة الأخبار" الموريتانية، أحمد ولد محمد المصطفى، أن ورشة البحرين "ليست سوى محطة من محطات محاولة تصفية الحقوق الفلسطينية".
وأضاف: "مستاؤون لمشاركة دول عربية كان يفترض أن تكون إلى جانب فلسطين، للأسف حكام بعض الدول العربية تحولوا إلى أدوات يتم من خلالها تضييع الحق الفلسطيني".
كما أعرب الإعلامي الموريتاني أحمد ولد سيدي، أيضا عن استغرابه لمشاركة دول عربية في هذا المؤتمر.
وأكد ولد سيدي، أن الجميع بات يدرك أن مصير هذا المؤتمر هو الفشل، مشددا على أن القضية الفلسطينية ستظل القضية الأولى للشعوب العربية والإسلامية، و"لن يستطيع ترامب ومن يقف معه مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني".
وفي السياق، أبدى الشارع العراقي مخاوفه ورفضه لمؤتمر المنامة المعروف إعلاميا بـ"ورشة الازدهار من أجل السلام" والمقرر ان ترعاه الولايات المتحدة الامريكية.
وقال الشاعر العراقي ابو سعد العراقي (72 عاما): إنه "للأسف هناك بعض القادة والملوك العرب ليس لديهم ولاء لأوطانهم بالتالي كان لهم تأييد لانعقاد مؤتمر المنامة الذي يعتبر تآمر على القضية الفلسطينية".
ويرى الكاتب والصحفي العراقي عمار العبودي (40 عاما) أن مؤتمر صفقة القرن هو استكمال للتجاوزات على القضية الفلسطينية.
بدوره، قال الناشط العراقي عامر الشمري (56 عاما) إن "الحل لمواجهة مخططات الولايات المتحدة و(اسرائيل) هو مقاطعة المؤتمر من قبل الدول العربية حتى يفقد أهميته وبالتالي تتفادى المنطقة التأثيرات السلبية لصفقة القرن".