في وقت زادت فيه المطامع الإسرائيلية بضم مناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، يُبدي رئيس السلطة محمود عباس مرة أخرى استعداده لفتح القضايا "المعلقة" بين السلطة والاحتلال.
ويثير التناقض بين تمسك السلطة بالمفاوضات ورفضها المشاركة في ورشة البحرين الاقتصادية الكثير من علامات الاستفهام حول جديتها في مواجهة الصفقة، إذ لم تتخذ خطوات فعلية على الأرض للمواجهة كتفعيل الخيار الشعبي واستعادة الوحدة الوطنية وإلغاء اتفاق أوسلو، بل إنها، وفق مراقبين، باتت تكرر إعلان استعدادها للعودة للمفاوضات بين الفينة والأخرى، كما أنها لم تقطع التعاون الأمني يوما واحدا، ما يدلل على غياب الرؤية السياسية.
وأبدى رئيس السلطة محمود عباس أمس استعداده لنقاش كل الأمور المالية والاقتصادية مع (إسرائيل) في حال أعادت الأخيرة أموال المقاصة كاملة إلى خزينة السلطة الفلسطينية.
وقال عباس خلال كلمته في مستهل اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح برام الله: "لن نستلم هذه الأموال منقوصة، بمعنى أن (إسرائيل) عليها أن تدفع الأموال كاملة، وإذا كان هناك أي نقاش مستعدون للنقاش فيما بعد، لكن أن تخصم بعض الأموال بحجة أننا ندفع للشهداء أو الأسرى والجرحى فهذا أمر لا نقبل به".
وأضاف: "مستعدون للحوار معهم -ليس في هذا الموضوع فحسب (الخصم)- وإنما في كل المواضيع المُعلقة بيننا وبينهم، وهي المواضيع الاقتصادية والمالية".
حلقة مفرغة
إزاء ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات: "ما زالت السلطة تتحرك في نفس الماراثون بهدف تحسين موقعها التفاوضي مع الاحتلال، كإجراء تكتيكي للدوران في حلقة المفاوضات المتواصلة، في المقابل يرسم الاحتلال حقائق على الأرض وعينه على ضم مناطق (ج) التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية".
وأضاف عبيدات لصحيفة "فلسطين" أن السلطة ما زالت تراهن على إعادة علاقتها مع الاحتلال، ولا يمكن التعويل عليها في تحقيق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.
وبين أن السلطة تعلن عن موقفها تجاه المفاوضات مع الاحتلال، في وقت يضع الاحتلال عينه على ضم الضفة الغربية، معتقدا أن السلطة لم تخرج من تحت عباءة القرار الخليجي، فهي في الوقت الذي تعلن رفضها المشاركة في ورشة البحرين وتدعو لمقاطعتها تنحى منحى آخر في علاقتها مع الاحتلال.
ويرى عبيدات أن هذا موقف مرتبك يفتح المجال أمام الدول العربية للمشاركة في ورشة البحرين التي تستهدف القضية الفلسطينية.
وبين أن مواجهة الصفقة تتطلب تفعيل الخيار الشعبي والكفاحي، لكن السلطة لم تتخذ خطوات جدية لتفعيله، وإنما تريد الاستمرار بنفس الخيار والنهج، عادًا المعارضة مجرد سلوك شكلي إذ لم يرتقِ الجهد الرسمي السياسي والدبلوماسي لمخاطر "صفقة القرن".
تعاون وتنسيق
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف أن السلطة لم تتوقف مطلقا عن التنسيق والتعاون مع الاحتلال، كون إحدى الوظائف الأساسية لوجودها استمرارها بالتنسيق أمنيًّا مع الاحتلال.
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": يتحدث "عباس دائما عن العودة المفاوضات في حين لم يترجم الرفض المعلن للصفقة إلى خطوات سياسية على الأرض كإلغاء اتفاق "أوسلو"، واتفاقية باريس الاقتصادية، وسحب الاعتراف بـ(إسرائيل) الذي سيبقى حبرًا على ورق.
ويعتقد أن عباس لم يراهن على غير المفاوضات، في المقابل أعلن مرارًا وتكرارًا رفضه مبدأ المقاومة، مستدركا: "يفترض ألا نفاجَأ بنهجه؛ لأن عباس يعلن بوضوح أن المفاوضات خياره".
ويرى أن السلطة لن تتخلى عن هذا النهج ولا تفكر بخيار بديل برغم ما وصلت إليه القضية الفلسطينية بسببه.
وقال عساف: "بعد ربع قرن من المفاوضات البائسة، على أصحاب فريق أوسلو أن يُقروا للشعب بفشلهم في تحصيل الحقوق الفلسطينية، والتنحي جانبا".
ويرى عساف أن ادعاء السلطة مواجهة صفقة القرن وعدم اتخاذها أي سلوك على الأرض، في مقابل استجداء المفاوضات بين الفينة والأخرى دليل عدم جديتها وفقدانها البوصلة والقدرة على المواجهة.