فلسطين أون لاين

​في ظل الأزمات المعيشية والمالية

مواطنون يبيعون ممتلكاتهم لإطعام أطفالهم

...
صورة أرشيفية لمواطنين يعانون من أثر حصار قطاع غزة
غزة - عبد الله التركماني

لتجنب السجن والملاحقات القضائية، اضطر علي عايش (35 عاماً) لبيع الدراجة النارية التي يستخدمها في عمله من أجل سداد بعض الديون المتراكمة عليه، ولتوفير احتياجات أسرته الضرورية.

عايش الذي يعمل مقاول بناء بات بلا عمل منذ منع (إسرائيل) إدخال الاسمنت إلى قطاع غزة مطلع الشهر الحالي، وبسبب عدم امتلاكه الأموال اتجه نحو الاستدانة من بعض الأشخاص من أجل توفير لقمة العيش لأبنائه، الأمر الذي يجعله يلجأ لبيع ممتلكاته من أجل سداد هذه الديون وتجنب الزج في السجن.

إجبار لا اختيار

وقال عايش الذي يملك ستة أطفال لـ"فلسطين": "قبل عرض دراجتي النارية للبيع، كنت قد بعت جزءا من أثاثي المنزلي في سوق الجمعة مؤخراً بثمن 600 شيكل رغم أنني ابتعته قبل أربع سنوات بنحو 3000 شيكل، وقد ساهم المبلغ الذي كسبته بتسديد جزء من ديوني، وشراء بعض الاحتياجات الضرورية لأطفالي".

وبيّن أن استمرار صعوبة الأوضاع الاقتصادية وندرة الحصول على فرصة عمل، سيجبره أيضاً على بيع ثلاجته وربما غسالاته، وأضاف: "الثلاجة على قائمة أولويات الأشياء التي سأبيعها قريباً، لأنه بكل الأحوال لا استفيد منها بسبب عدم قدرتي على شراء اللحوم لأضعها داخلها".

وعايش هو نموذج لظاهرة آخذة بالاتساع في قطاع غزة، والتي تعكس توجه المواطنين لبيع جزء من أثاثهم المنزلي وممتلكاتهم الخاصة لمواجهة الصعوبات الحياتية والمعيشية الكبيرة نتيجة تفاقم معدلات البطالة والفقر وتدني فرص العثور على فرصة عمل في المجتمع الفلسطيني.

وتبلغ نسبة البطالة (كلّ من يبلغ 15 عاماً وأكثر من دون مزاولة أيّ عمل، كما التعريف الفلسطينيّ) في قطاع غزّة 42.8%، فيما تبلغ نسبة الفقر 65%، وفقاً لإحصاءات الربع الرابع من عام 2014 التي أوردها الجهاز المركزيّ للإحصاء الفلسطينيّ.

بيع عبر فيسبوك

كما يتخذ المواطنون الذين يسعون لبيع مقتنياتهم وممتلكاتهم الخاصة من موقع فيسبوك كمنصة لعرض ما يرغبون في بيعه، وتنتشر الصفحات الخاصة ببيع المستعمل والقديم في هذا الموقع الأزرق بشكل كبير وينتسب إليه مئات آلاف المواطنين.

إبراهيم موسى، عرض عبر إحدى هذه الصفحات الأرجوحة الخاصة بابنته الصغيرة، وطلب لقاءها نحو 100 شيكل، وتفاعل مستخدمو فيسبوك مع عرضه بتوجهات مختلفة، فمنهم من بدأ يساوم على ثمنها، ومنهم من اعترض على بيع أرجوحة أطفاله الصغار، فيما آخرون عرضوا عليه دفع 100 شيكل شريطة إبقاء الأرجوحة في منزله وعدم بيعها.

يقول موسى الذي جردته الحرب الأخيرة من عمله بعد أن الحق الدمار بمصانع غزة لـ"فلسطين": "لقد واجهت امتعاضاً واستهجاناً كبيراً من كثير من الناس بسبب قيامي ببيع هذه الأرجوحة، ولكني مضطر لبيعها، لأنها ليست ذات أولوية كبيرة بالنسبة إلى الاحتياجات الضرورية لأسرتي".

وأوضح أنه ومنذ انتهاء الحرب وهو يلتقط رزقه من خلال القيام بأعمال مختلفة من بينها العتالة والحراسة، ولكنه أشار إلى أن كافة أعماله لم تستمر طويلاً بسبب انتهاء الحاجة إليه.

ووفقاً لصندوق التنمية الفلسطينيّ في قطاع غزّة، فإن العدوان الإسرائيليّ على غزّة تسبب في تعطّل ما يقارب الـ12000 عامل نتيجة تدمير المنشآت الصناعيّة، إضافة إلى تعطّل 1200 عامل آخر بسبب إغلاق الأنفاق الحدوديّة مع مصر.

آثار مجتمعية

من ناحيته، يرى المتخصص الاجتماعي والنفسي، د. درداح الشاعر، أن الظروف السياسية والاقتصاديّة ألقت بظلالها الوخيمة على المظاهر الاجتماعية والعلاقات الأسرية وعززت من بعض الظواهر الاجتماعية السلبية كالانعزال عن المجتمع والتسول.

وقال الشاعر لـ"فلسطين": "الاقتصاد والسياسة والاجتماع هي منظومة متكاملة تعبر عن حال أي قوم أو مجتمع، لذلك ومنذ فرض الحصار الإسرائيلي على غزة ونشوء الانقسام الداخلي الفلسطيني في عام 2007، وهذه المنظومة تواجه ضربات متتالية انعكست على أحوال المواطنين وأجبرتهم على اتخاذ قرارات صعبة من أجل مواجهة هذه التبعات، ومنها بيع ممتلكاتهم الشخصية ومقتنياتهم التي ربما تكون متوارثة جيلا بعد جيل".

وبيّن أن الغذاء يعتلي سلم الأولويات لدى المواطن، وفي حال لم يتوفر فإنه من السهل أن يتخلى عن كافة الدرجات الأخرى من الأولوية من أجل تأمين الغذاء لأطفاله وأسرته، مثل المقتنيات الشخصية والموروثات والحاجات المتعلقة بالتراث المتناقل بين الأجيال.

وأضاف الشاعر: "لذلك فإن هذه الحالة طبيعية عندما يعاني المجتمع من تدني مستويات الحياة وعدم توفر فرص العمل وارتفاع في مستويات البطالة والفقر"، مشيراً إلى أن استمرار تدني الاوضاع المعيشية سيجبر المواطن على اتباع خيارات أكثر صعوبة ومأساوية مثل التسول.