شاهدتُ ذات يوم مقطع فيديو لشخصٍ يذكر أن أغلب الأمراض النفسية والجسدية التي تصيب الإنسان هي من صنع يديه، ويوضح ذلك أن بعضنا يريد خدمة الناس ويجعلهم على الطريق السوي، مع أن ذلك ليس مطلوبًا منه، ويستدل المتحدث بآية "ليس عليك هداهم".
شخصيًّا، لم أنسجم مع هذا الفهم، وأظنه فهمًا سلبيًّا، فـ"ليس عليك هداهم" لا تعني أنك غير مطالب بدعوة غيرك، بل أنك -أيها الداعي- لستَ مسؤولًا عن النتائج، ما دمت تسير وفق المنهج القرآني في الدعوة، وعليك الإيمان بـ"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
إن المتأمل في الإسلام يلحظ أنه مدح الإيجابية، خذ مثلًا هذه الشواهد:
1. يدعو القرآن صراحةً لعدم اليأس، مهما بلغت الظروف، وعده من صفات الكافرين، كما ورد في سورة يوسف على لسان سيدنا يعقوب: "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
2. ألم يكن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ليقول: "يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" (القصص) إيجابيًّا، حين بذل جهدًا كبيرًا لإيصال رسالة تحذير له؟
3. ألم تكن النملة إيجابية حين حذرت بنات جنسها من خطرٍ قادمٍ، والتمست العذر لسليمان وجنوده حين "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل)؟
4. أليس درسًا رائعًا في الإيجابية والعمل دون تكاسل حين (قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ) ويثق بنفسه (وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) وحين (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) وهما يخاطبان سيدنا سليمان عن عرش بلقيس في سبأ باليمن رغم بعد المسافة عن فلسطين؟
5. ألا تنعش الإيجابية قلبك حين تتمعن بعمق قول الله (عز وجل): "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ" و" وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" و"كلا أن معي ربي سيهدين" و"لا تحزن عن الله معنا"؟.
6. ألم تر في قول رسولنا الكريم: "إذا قامت قيامة أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها" إيجابية، وتأكيدًا لأهمية العمل؟
الشواهد على إيجابية الإسلام يصعب حصرها في مقالٍ واحدٍ، ويكفي أن إيجابية الإسلام دفعت ملك الصين ليرد على كسرى حينما طالبه بمددٍ على جيش خالد بن الوليد قائلًا: "لا قبل لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها".