مهد تقسيم الضفة الغربية المحتلة بموجب ما تُعرف باتفاقية "أوسلو 2" إلى توسيع الاستيطان في المنطقة الأكبر مساحة والمصنفة (ج)، وصولًا إلى استعدادات حكومة الاحتلال الإسرائيلي لـ"ضمها" بدعم أمريكي عبّر عنه أخيرًا سفير الولايات المتحدة في (إسرائيل) ديفيد فريدمان؛ وفق مراقبين.
ونصت الاتفاقية التي وقعت في واشنطن سنة 1995 على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق غير متجاورة: (أ)، و(ب)، و(ج).
وحينئذٍ شكلت المنطقة (أ) نحو 3% من أراضي الضفة الغربية، وتوسعت لاحقًا لتصل إلى 18% عام 1999، وتسلمت السلطة معظم شؤون هذه المنطقة.
وضمت المنطقة (ب) قرابة 21% من أراضي الضفة الغربية، وتسلمت السلطة شؤون التعليم والصحة والاقتصاد فيها، في حين حصل الاحتلال على السلطة الكاملة للشؤون الأمنية في هاتين المنطقتين، وهو ما يعني تمكين قوات الاحتلال من دخولهما في أي وقت كان، لتنفيذ عمليات اعتقال أو حتى اغتيال.
وتضم المنطقة (ج) أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، وكان من المفترض أن تتسلم السلطة شؤون هذه المنطقة، لكن فعليًا، تتحكم سلطات الاحتلال بجميع شؤونها، بما فيها الشؤون الأمنية والتخطيط العمراني والبناء.
وكشفت إحصاءات فلسطينية عن أن عدد المستوطنين تضاعف في الضفة الغربية سبع مرات منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو سنة 1993، وأن وتيرة الاستيطان ارتفعت ضمن اتفاقيات التسوية أكثر منها خلال الحروب.
ووفقًا لتقرير أصدره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، الشهر الجاري، شهدت الضفة الغربية تمددًا استيطانيًّا لا يتوقف، حتى تجاوز عدد المستوطنات 158 مستوطنة، عدا عن مئات البؤر الاستيطانية، التي أخذت حكومة الاحتلال على عاتقها "شرعنتها".
وتوزعت المستوطنات على محافظات الضفة الغربية فكان عددها، في القدس 24، وفي رام الله 30، والخليل 21، وبيت لحم 15، وأريحا والأغوار 16، وطوباس 8، وجنين 6، ونابلس 12، وسلفيت 15، وقلقيلية 8، وطولكرم 3.
وتجاوز عدد المستوطنين 750 ألف مستوطن، يتوزعون في القدس ومحيطها بواقع 250 ألف مستوطن، و500 ألف مستوطن في بقية محافظات الضفة الغربية، وفق التقرير ذاته.
منطقة استراتيجية
ويقول مدير وحدة المعلومات الجغرافية في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" د. عيسى زبون: إن المنطقة (ج) تمتد من حدود فلسطين المحتلة سنة 1948 حتى نهر الأردن، ومن جنين حتى الخليل.
ويوضح زبون لصحيفة "فلسطين" أن المنطقة (ج) تشمل كل المستوطنات والطرق الالتفافية ومناطق التدريبات العسكرية، مبينًا أن هذه المنطقة استراتيجية تربط بين المدن والقرى الفلسطينية، في حين سيطرة الاحتلال عليها تمنع التواصل الجغرافي بين مدن الضفة.
ويتحدث زبون عن 198 مستوطنة في المنطقة (ج) وهو عدد يفوق المعلن من "المكتب الوطني"، مبينًا أن عدد البؤر الاستيطانية بلغ 220، والطرق الالتفافية يقدر طولها بـ916 كم.
واستغلت سلطات الاحتلال المنطقة (ج) في التوسع الاستيطاني عبر إنشاء مستوطنات جديدة، وتوسيع أخرى قائمة، كما عملت على تغيير معالم المنطقة وشق الطرق الالتفافية وربط المستوطنات ببعضها، ناهيك بانتهاكات المستوطنين وسيطرتهم على الموارد الطبيعية.
ويحذر زبون من أن هذه السياسة الاحتلالية تلغي إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لافتًا إلى أن معظم الموارد الطبيعية من المياه والزراعة والأرض وحدود البحر الميت في تلك المنطقة.
وينبه إلى أنه دون المنطقة (ج) فإنه لن يتوافر تواصل جغرافي بين شمال الضفة وجنوبها وشرقها وغربها، وسيتحول وجود الفلسطينيين إلى "كنتونات".
لكن السفير الفلسطيني السابق د. ربحي حلوم يقول: إن المنطقة (ج) باتت تشكل ما نسبته 70% من مساحة الضفة، محذرًا من مشاريع في "الكنيست" الإسرائيلي تسعى إلى ضمها كجزء مما تُعرف بـ"صفقة القرن" الأمريكية، مع وجود مخطط يدعى "الحوصلة" لضم الضفة الغربية كاملة على مدى الأعوام الخمسة القادمة.
ويضيف حلوم لـ"فلسطين"، أن الاحتلال سيحاول تفريغ الضفة من أصحابها الفلسطينيين عبر وسائل متعددة وصولًا إلى عمليات الاقتلاع والإرهاب كتلك التي نفذتها العصابات الصهيونية سنة 1948.
ويبين أن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، التي تعدها الإدارة الأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية، هو جزء من هذه المحاولات والمساعي.
صمت السلطة
وتعد الفترة التي أعقبت "أوسلو 2" "ذهبية" بالنسبة للاحتلال –والحديث لا يزال لحلوم- في ظل "صمت" السلطة الفلسطينية.
ويتابع: لا أحد يعلم ما سر "صمت السلطة المطبق" وعدم إقدامها على تحريك هذه القضية في المحاكم الدولية، رغم سماح القوانين الدولية لها بطرح كل الجرائم التي ينفذها الاحتلال.
ولم تفتح المحكمة الجنائية الدولية بعد تحقيقا في جريمة الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية.
ويتمم السفير السابق بقوله: رغم التصريحات "الجوفاء" التي يطلقها مسؤولو السلطة ضد "صفقة القرن"، فإن "صمت السلطة" وعدم لجوئها للمحاكم الدولية هو "انخراط واضح وصريح" في كل ما يجري من تصفية للقضية الفلسطينية، مردفًا: إن دولًا تشتري الأرض من خلال وسطائها في السلطة وتبيعها للإسرائيليين.