ساهمت السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1993م في تسهيل عملية استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وتوسيع بقعة الاستيطان فيها بتوقيعها اتفاقية أوسلو، وفق ما يرى مراقبان.
الباحث في الشأن الفلسطيني ياسين عز الدين يرى أن السلطة أعطت الاستيطان الشرعية عندما وافقت على تأجيل بحث هذا الملف إلى "مباحثات الوضع النهائي"، كما ورد في اتفاقية أوسلو، ثم التنازلات المتتالية التي قدمتها، وأبرزها قبولها مبدأ ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى دولة الاحتلال.
وقال عز الدين في حديثه إلى صحيفة "فلسطين": "عندما وقعت السلطة أوسلو كانت ذريعتها الأساسية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أراضي الضفة، ووقف الاستيطان، وبعد 26 عامًا من أوسلو يتبين لنا أن السلطة فعلت كل شيء إلا مقاومة الاستيطان".
ويعتقد أن الأخطر من اتفاق أوسلو، الذي أدى إلى ازدهار الاستيطان وزيادة كبيرة في أعداد المستوطنين؛ هو وقف المقاومة، خصوصًا بعد انتفاضة الأقصى، والتنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال.
وأوضح أن السلطة لا تفكر في حلول جدية لمواجهة الاستيطان، وتكتفي ببعض النشاطات الشكلية للمقاومة الشعبية في نقاط محدودة، مثل الخان الأحمر وبلعين وكفر قدوم، وتترك بقية الضفة مستباحة.
ولفت إلى أن حركة فتح أصابها الترهل منذ قدوم السلطة، لذلك هي عاجزة عن تحريك الشارع لمقاومة الاستيطان على نطاق واسع، فسكوت السلطة ناجم بالدرجة الأولى عن عجزها، واكتفاء عباس باستمرار الوضع الراهن.
وعن مساهمة أوسلو في تعزيز الاستيطان، قال الباحث الفلسطيني: "بدايةً أعطت أوسلو الاحتلال غطاءً دوليًّا ليستمر في الاستيطان، حتى القيود التي وضعتها أوسلو التف عليها الاحتلال دون أي رد حقيقي من السلطة".
وتابع: "مثلًا منعت أوسلو إنشاء مستوطنات جديدة، لكن الاحتلال التف على هذا البند، فكان يسمي المستوطنات الجديدة بأحياء لمستوطنات قديمة، مع أنه قد يفصل بينهما جبل أو جبلان".
حتى إن السلطة لم ترصد الاستيطان المخالف لأوسلو وتوسعه، فيوجد بؤر استيطانية عشوائية مخالفة لاتفاقية أوسلو، لم تفعل السلطة شيئًا للتصدي لها، مثل: بؤرة "جبعات أساف" الاستيطانية التي تبعد أقل من 4 كيلومتر عن منزل رئيس السلطة محمود عباس.
ونبّه عز الدين إلى أن السلطة منشغلة بوقف عمليات المقاومة ضد الاحتلال، وهذه أكبر خدمة للاستيطان.
خطيئة أوسلو
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب المختص في شؤون الاستيطان خالد منصور أوضح أنه بعد توقيع أوسلو قسمت أراضي الضفة الغربية والقدس إلى مناطق (أ)، و(ب)، و(ج)، فمنطقة (أ) تحت سيطرة فلسطينية كاملة، ومنطقة (ب) تخضع لـ"السيادة" الأمنية الإسرائيلية وسيادة مدنية فلسطينية، ونسبتهما نحو 38-39% من أراضي الضفة المحتلة.
وقال منصور في حديثه إلى "فلسطين": "إن الأخطر من ذلك أن الاتفاقية أعطت الاحتلال السيطرة الكاملة على 62% من الأراضي".
وأضاف: "عاشت السلطة في وهم أن هذه الاتفاقية سلطة مؤقتة وستتحول إلى دولة، وهذا الوهم دفعها إلى توقيع الاتفاقية على أمل عودة السيادة على كل الأراضي، وأتاح للاحتلال الإمعان في نهب هذه الأراضي".
ويرى أن توقيع السلطة اتفاق أوسلو كان خطيئةً كبيرةً لكونها لم تقدم شيئًا للقضية الفلسطينية، بل إن تمسك السلطة بالالتزامات الموقعة مع الاحتلال وعدم التزامه أديا إلى تغول الاستيطان ونهب الكثير من الأراضي.
وبيّن منصور أن الاحتلال فرض سيطرته على الأرض الفلسطينية منذ نكسة عام 1967م مستخدمًا طرقًا شتى، أولاها سيطرته على الأراضي المسماة آنذاك "أراضي الدولة"، لأنه عد نفسه وريث الأردن.
إضافة إلى أنه اتخذ قرارات بتحويل بعض الأراضي إلى مناطق أمنية مغلقة، كما هو الحال في غور الأردن، وفيما بعد منح المستوطنين ملكية تلك الأراضي، ويستعد لضمها إلى "سيادة" دولته المزعومة.