أكد قادة فصائل وأكاديميون على أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها حيث تتعرض للتصفية وفقاً لمخططات الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، مما يستدعي ضرورة استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بأسرع وقت ممكن لمواجهة تلك المخططات.
وأكدوا -خلال مشاركتهم في فعاليات مؤتمر الأمن القومي الفلسطيني السادس "صفقة ترامب وتحديات المواجهة"- رفض الشعب الفلسطيني قيادة وفصائل ومؤسسات لـ"مؤتمر البحرين" وما سينتج عنه من إعلان "صفقة القرن".
دعم لا محدود
وفي كلمته نيابة عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قال القيادي بالحركة إسماعيل رضوان: "الوضع الفلسطيني بغاية الصعوبة في ظل استمرار (إسرائيل) في الاستيطان والتهويد الممنهج للمدينة المقدسة وتقطيع أواصر الضفة الغربية واستمرار الملاحقة السافرة للمقاومين ووجود التنسيق الأمني الضار الذي يمثل خنجراً ضد صمود وثبات الشعب الفلسطيني بجانب استمرار الحصار على قطاع غزة والعدوان المتواصل من قبل الاحتلال عليه".
وأضاف: "بجانب القوانين العنصرية الإسرائيلية التي تهدد وجود فلسطينيي الـ48م والهجمة الإسرائيلية التي جاء ترامب ليعززها باتجاه الاستيطان وتهويد القدس وضم الضفة الغربية واستمرار في موضوع تناول "صفقة القرن" ليشمل ليس فقط فلسطين بل يطال مناطق عربية كالجولان السوري المحتل".
وتابع: "هناك تحديات خارجية تتمثل في الدعم اللامحدود لـ(إسرائيل) من قبل الولايات المتحدة وما يسمى بـ"صفقة القرن" التي جاءت لتصفية القضية الفلسطينية بدءاً من اعتبار القدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية إليها وتصفية قضية اللاجئين من خلال الإصرار على تصفية الأونروا" ثم الحديث مؤخراً عن ضم الضفة".
وبين أن الانحياز الأمريكي اللامحدود لـ(إسرائيل) تمثل مؤخراً في تصريحات فريدمان التي زعم فيها بحقها في ضم الضفة الغربية، قائلاً: "مفرزات تلك الصفقة تطبق على أرض الواقع سواء تعلق الأمر بالقدس أو اللاجئين أو الجولان أو المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في البحرين".
كل مخرجاتها
وأكد رضوان رفض الحركة لـ"صفقة القرن" بكل مخرجاتها السياسية والاقتصادية والأمنية، ورفض انعقاد مؤتمر البحرين الذي يمثل فصلاً من فصول تطبيق الصفقة.
ودعا الدول العربية لعدم المشاركة في مؤتمر البحرين، مؤكدًا أن المؤتمر سيفشل لغياب الحضور الفلسطيني الذي يرفضه ويرفض كل مخرجاته، مشدداً على الحاجة للتوافق على استراتيجية فلسطينية لمواجهة الصفقة بتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام حسب اتفاق القاهرة 2011 ومخرجات بيروت 2017م.
وقال: "يقتضي الأمر تشكيل مجلس وطني توحيدي ومغادرة مربع التهميش والإقصاء ودعوة الكل الفلسطيني لمجابهة الصفقة والتوافق على استراتيجية وطنية لمجابهتها والدعوة لانتخابات عامة تشريعية رئاسية ومجلس وطني".
مجموعة مستوطنين
بينما أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات أن الإدارة الأمريكية تحتوي مجموعة من المستوطنين الذين يعملون على نسف "عملية السلام" كـ"كوشنير"، والذين يحاولون فرض إملاءات بهدف تدمير كل المرجعيات الدولية واستبدال مبدأ "الأرض مقابل السلام" لمبدأ "المال مقابل السلام".
وتابع: "يعتقدون أن فلسطين والقدس عقار يقبل الفلسطينيين ببيعه مقابل ثمن بخس لذلك رفض الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير وجميع القوى والمؤسسات الفلسطينية لـ"مؤتمر البحرين" وطلبنا من الجميع عدم المشاركة فيها".
وأضاف: "هذه الورشة سينتج عنها مشاريع إغاثية تتعلق بالكهرباء والطرق وغيرها لكنها قائمة على أساس أن الفلسطينيين ليسوا شعبًا بل أقلية غير يهودية تتمتع ببعض الحقوق فيما لا يمتلك سوى اليهود حق تقرير المصير".
وأشار إلى أن المؤتمر سيدمر مبدأ انسحاب (إسرائيل) من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وسيعزز مبدأ السلام مقابل "المال قبل السلام" وهذا ما يجب ألا يحدث.
وقال: "طلبنا من الأشقاء العرب عدم المشاركة فيها لكن يبدو أن لغة المصالح أقوى، فيجب ألا يحبط ذلك شعبنا وعليه أن يعمل وفق خارطة طريق قائمة على استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام فلم يعد الوضع يحتمل فعلينا أن نبدأ بتنفيذ اتفاق القاهرة 2017".
وأضاف: "يجب أن يدرك "كوشنير" أننا كفلسطينيين لم نفوض أحداً للحديث باسمنا في مؤتمر البحرين وأن فلسطين ليست للبيع وأنه لن يكون هناك أمن في هذه المنطقة بمعزل عن انتهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية".
ضغوط هائلة
وأشار عريقات إلى وجود ضغوط هائلة تمارسها إدارة ترامب على دول العالم في إطار حربها على القضية الفلسطينية بهدف تدمير المرجعيات التي أُسّس لها منذ 1948م بزعمه "قابلية الشعب الفلسطيني للعيش تحت الاحتلال للأبد".
وأوضح أن الاحتلال ينفذ الخطة على الأرض متناسين أنه مرّت 87 محاولة لفرض الحلول على الشعب الفلسطيني وكلها فشلت، قائلاً: "نحن نقف في مربع القانون الدولي معززين بالمجتمع الدولي بلا استثناء".
ونوه عريقات إلى أن إدارة ترامب تحاول تعزيز الخلافات العربية الداخلية وتفكيك الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية حتى تجعل جميع دول العالم تتسابق لتقديم الولاء لها، مؤكداً أن الفلسطينيين لن يقبلوا بحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سوى بإنهاء الاحلال وإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية.
وبين ضرورة تعزيز العلاقات الدولية للفلسطينيين وتعزيز صمودهم وبقائهم على أرضهم حتى تتحقق الإرادة الفلسطينية بإقامة دولة، مخاطباً العرب بالقول: "فلسطين والقدس أهم من كل عواصم العرب والمسلمين ولن نسمح بتقديمها قرباناً للإدارة الأمريكية، والقانون الدولي حدد معالم الحل القائم على عدم وجود أي اتفاق دون إنهاء الاحتلال".
أزمات متعددة
أما مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات محسن صالح فقد أكد أن القضية الفلسطينية تواجه تحديات جدية في هذا الوقت الحساس من تاريخنا في حين أننا كفلسطينيين نعاني من أزمات معقدة.
وبين أن الشعب الفلسطيني يعاني من أزمة الإطار الوطني التمثيلي ممثلة في أزمة منظمة التحرير، وأزمة السلطة التي تعمل تحت شروط الاحتلال، فيما يعاني من أزمة عدم تحديد المسارات والأولويات في المرحلة الحالية.
وقال: "نعاني كذلك أزمة الشرعيات المنقوصة بعد 2006م التي أدت إلى انقسام داخلي لم يُحل حتى الآن، وأزمة إدارة المشروع الوطني الفلسطيني وكيفية حل الخلافات الداخلية".
وتابع: "نعاني كذلك من أزمة طريقة صناعة القرار الوطني الفلسطيني الذي يواجه تأثيرات خارجية، وأزمة القيادة الفلسطينية التي لم تعبر عن تطلعات شعبنا وآماله بالشكل المناسب".
وأشار كذلك إلى أزمة الفصائل والتيارات السياسية التي تعاني من مشاكل داخلية وأزمة ثقافة العمل السياسي الفلسطيني وأزمة التشتت الجغرافي التي تجعل توحيد القيادة الفلسطينية مستحيلاً.
وأردف بالقول: "نعاني كذلك من أزمة العمل الشعبي والنقابي الفلسطيني المتعطل تأثراً بالحالة السياسية القائمة ومشاكلها".
خطر التصفية
فيما أكد الكاتب السياسي هاني المصري أن القضية الفلسطينية تواجه تحديات غير مسبوقة، حيث تتعرض لخطر التصفية بشكل حقيقي كتتويج لسياسة إسرائيلية - أمريكية مستمرة منذ زمن.
وقال: "ومن تلك السياسات تفريغ مناطق (ج) بالضفة من سكانها ووصول عدد المستوطنين فيها لـ800 ألفوالتسارع غير المسبوق في مخططات التهجير والضم وصولاً إلى الإعلان عن ضم أجزاء من الضفة لـ(إسرائيل)".
وتابع: "جاءت إدارة ترامب باتجاهات أكثر تطرفاً، حيث انتقلت لموقع الشريك الكامل لـ(إسرائيل) وأعطت الضوء الأخضر لإقامة (إسرائيل الكبرى) على أرض فلسطين التاريخية، حيث لم يعد إقامة دولة فلسطينية على أراضي الـ67م قائماً في ظل الوضع العربي السيئ للغاية المشغول بحروبه الداخلية".
في حين قال القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" أحمد المدلل: إن "صفقة القرن" تعكس واقعاً يُنفذ على الأرض بدءا من إعلان ترامب القدس عاصمة لـ(إسرائيل) وضم الجولان ومحاولة شطب حق العودة والحديث عن ضم الضفة التي يعتبرها الاحتلال البعد العقائدي والاستراتيجي له.
ولفت إلى أن تهويد القدس جارٍ على قدم وساق، فيما يستشري الاستيطان بالضفة بشكل لا يمكن معه إقامة دولة فلسطينية فيما تستشري العنصرية ضد فلسطينيي الـ48، ويعاني قطاع غزة من حصار مطبق.
وعدّ الصفقة امتدادًا لاتفاق أوسلو الذي أسس الانقسام الفلسطيني فقسم الفلسطينيين إلى طرف مفاوض وآخر مقاوم للتنازلات والمؤامرات.
وقال: "أمام هذا الانقسام الذي نعيشه لا يمكن لأحد أن يتحدث عن مواجهة قوية لـ"صفقة القرن" فالمشروع الوطني الفلسطيني نحو التلاشي والزوال فيما تعاني الأمة العربية والإسلامية من الانقسامات".
وأضاف:" ينبغي أن يكون هناك مشروع وطني فلسطيني قائم على الوحدة الوطنية والمصالحة لدعم صمود شعبنا، وعلى المقاومة للمؤامرات بأشكالها كافة، بعدم التخلي عن السلاح الكفيل بأن يصنع هاجساً أمنيا وسياسياً للاحتلال".
خارطة طريق
من جانبه، بين رئيس المؤتمر محمد المدهون أن الشعب الفلسطيني يواجه ظروفاً ليست سهلة ومخاطر جمة تتمثل في تصفية القضية الفلسطينية، وأن مشروع تصفيتها ليس هلامياً أو خيالياً بل حقيقياً قائماً على الأرض.
وأضاف: "الحديث عن الانتظار لإعلان صفقة القرن ليس إلا فرقعة إعلامية بينما الحقيقة أنه جرت وتجري على الأرض خطوات ليست سهلة تهدد جوهر القضية على رأسها اعتبار الولايات المتحدة القدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل سفارتها إليها وضم الجولان والحديث المتزايد عن ضم أجزاء من الضفة".
وبين المدهون أن الصفقة قائمة على بقاء حصار قطاع غزة ليظل يبحث عن لقمة عيشه بالدماء، قائلاً: "في مواجهة هذه المخاطر علينا أن ندرك كمجموع فلسطيني أن لدينا مسئولية تاريخية تتطلب وقفة جادة لصياغة مشروع وطني جامع يؤكد أن لا أحد يستطيع سلبنا حقنا وأنه لا يمثلنا مَنْ يفرط فيه".
وأكد ضرورة صياغة خارطة طريق تلتقي عليها الفصائل الفلسطينية تعيد الاعتبار لجوهر قضيتنا شعب تحت الاحتلال يبحث عن العودة لدياره التي هُجر منها .
متغيرات سياسية
بدوره، أكد رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر أحمد دحلان أن المتغيرات السياسية التي أصابت الحالة الفلسطينية والإقليمية والدولية وأهمها وصول ترامب للحكم وهيمنة اليمين الأكثر تطرفاً على السياسة في دولة الاحتلال والاضطرابات العربية والانقسام الفلسطيني هي التي شجعت الإدارة الأمريكية على المضي قدماً في "صفقة القرن".
وقال: "بناءً على ذلك فإن أولويات مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية تتمثل في تصليب الجبهة الداخلية باستعادة الوحدة على قاعدة الشراكة الوطنية لا المحاصصة الحزبية وإنهاء الانقسام ورفع العقوبات الجائرة عن غزة وتقنين الشرعيات".