"بلا طعمٍ ، بلا لونٍ، بلا رائحة" هذه أبسط كلمات تعبر عن وصف أهل غزة لرمضان عام 2018، حيث تستقبل غزة رمضانها وهي محملة بالأوجاع التي راكمتها 12 عاما من الحصار لتصل ذروتها هذا العام، ليصبح وكأنه "عام الرمادة " فلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا أموال تصل لغزة، والسبب ظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند، كما قال الشاعر الجاهلي" طرفة بن العبد "، حيث الفقر يغرس أنيابه في جيوب أهل غزة فيمنعهم من الاستمتاع بالشهر الفضيل.
هذه مقدمة كتبتها في مقالٍ سابقٍ حمل عنوان ( رمضان غزة عام 2018) ولا أجد حرجاً من إعادة وضعها في مقدمة مقالي هذا، فهي ما زالت تعبر عن وضع غزة، بل وسأضيف بأن "السيل قد بلغ الزبى يا سيدي" فلا انفراجة في الأفق، والحصار باقٍ ويتمدد، فالأعداء وضعوا نصب أعينهم مسارين لحصار غزة، الأول : إطالة زمن الحصار، الثاني : أن تصل آثار الحصار لكل مفاصل الحياة.
وبالفعل فالحصار بلغ من العمر أكثر من ثلاثة عشر عاماً، ولم ينجُ أحد من آثاره، التي أبرزها خلق أزمة مالية أثرت على الحركة التجارية ، فوقعت الكثير من الشركات والمصانع والأفراد ضحايا، ما جعلهم في السجون رغم أنهم ليسوا من النصابين أو المحتالين.
ورغم ما وصلت إليه حال غزة فإن الله يبعث من بين الحطام المتراكم من يبث في نفوس أهلها الأمل من خلال مبادرات وأفكار، ومن أهم المبادرات مبادرة الدكتور فهمي شراب "فك الغارمين من السجون على الذمم المالية" الذي ضحى بجهده ووقته حتى استطاع فك ما يقارب من 1500 غارم وغارمة ليعيشوا أجواء رمضان مع أهلهم.
مبادرة أخرى ولدت من رحم الحصار، أنتجها عقل المهندسة "إسراء فروانة" التي نفذت برفقة فريقها "سنابل" ما يقارب من ثلاثين نشاطا، حيث استثمروا علاقاتهم مع أهل الخير من أفراد ومؤسسات ، فقد وزع الفريق ١٠٠٠دولار عيدية، و ٣٠طردا غذائيا، و٣٠٠سلة خضار، و500 وجبة سحور، و 2٠٠ كيلو من الكعك والمعمول، و ٤٠ فستانا على فتيات الأسر المتعففة، وكسوة 20 طفلاً، إضافة إلى تنظيم إفطار جماعي لعدد من العائلات، وفتح محل بقالة لأحد المواطنين، وتوزيع هدايا على الأطفال بعد صلاة العيد، ونظم الفريق بالتعاون مع مؤسسة الأمل النرويجية رحلة لأكثر من ٥٠٠ طفل وقدموا لهم الهدايا والمسابقات والألعاب في جوٍ مرِحٍ في ثالث أيام العيد.
لا يجب أن ننسى ما يقدمه الإعلامي بسام البطة من خلال برنامجه "نافذة الخير" على فضائية الأقصى، الذي ساهم في رسم البسمة على شفاه المحتاجين.
اقتصار حديثي على هذه المبادرات لا يعني خلو الساحة من غيرها، بل إن المبادرات قد ملأت غزة طولاً وعرضاً يقودها أناس يحبون شعبهم قولاً وفعلاً، ورغم جمال تلك المبادرات، إلا أنها لا تخلو من ملاحظات: أنها فردية وموسمية، رغم أن الأصل أن ترعاها مؤسسات رسمية وتنظيمية وتبقى على مدار العام، وأن أغلبها إغاثي وليس تنموياً.
يبقى الواجب ، تقديم الشكر لكل من يخدم الناس، لأن خدمة الناس هي الساحة الحقيقية التي تجعل سلوك الإنسان منسجما مع مبادئه.