نقف بداية أمام سؤال كبير: أين هي احتياجات الناس القرآنية؟ أين الخلل في تعامل الناس مع القرآن؟ هل هو في جمال الصوت ومخارج الحروف واتقان التجويد، هذا لا أنكر أهميته ولا بد من أن يؤم الناس جميل الصوت حسن الأداء، ولكن أين العلماء؟ أين تراجع الفهم القرآني الصحيح لصالح الجماليات الصوتية؟ مع أننا قادرون على الجمع بينهما: ببساطة يؤم صاحب الصوت الحسن ويعظ الناس العالم بالقرآن. لقد اقتصر تواصل مشايخ الأقصى مع الناس على قراءة القرآن بالأصوات الجميلة وراحت المواعظ الحية القوية المؤثرة (إلا بعض الاستثناءات اليسيرة) في سبات عميق على شواطىء الفهم القرآني دون الغوص في جوهر معانيه واظهاره للناس.
كتغذية راجعة لأداء مشايخنا الكرام في المسجد الاقصى في شهر رمضان آمل أن تتسع صدوركم له، وآمل أن تتدارسوا الامر لعلنا نرتقي في ايصال رسالة قوية وعميقة الاثر تتناسب مع مكانة هذا المسجد ومع حجم الاقبال الكبير عليه في رمضان. وهذه تعتبر فرصة ذهبية لو اهتبلها القائمون على المسجد بشكل جيد لكان لها عظيم الاثر في ارشاد الناس وتوجيه سلوكهم. خاصة في ميدان الفهم القرآني حيث شهر رمضان هو شهر القرآن.
ما عليه المسجد بعض المواعظ قبل صلاة الجمعة فقط لا غير، صلاة التراويح خالية من المواعظ، حتى أن خطيب الجمعة الاولى دعا الى الغاء موعظة التراويح في المساجد، الاف مؤلفة تؤم المسجد وهي في غاية الجاهزية النفسية وفي غاية الحاجة والضرورة فلا تستمع إلا إلى القليل القليل، ماذا لو كانت هناك موعظة يومية في التراويح؟ عشر دقائق مركزة ومعدة بشكل جيد وتلامس حاجة الناس الماسّة في أمر مهم من أمور دينهم وفهم قرآنهم؟ ألا يلمس مشايخنا خللا في تصورات الناس القرآنية لا بد من تصويبه؟ ألا يرون تصرفات ومسلكيات تخالف ما يستمعون إليه؟
هناك قوائم بعشرات التأويلات الجاهلة، والانحرافات الباطلة والمغالاة العمياء كما ورد في الحديث الشريف:" يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ"، هناك مفاهيم لا بد وأن تصحح، وهناك معان وقيم قرآنية أصبحت مفقودة في هذا الزمان، وهناك معالجات تربوية لا بد من توضيحها وشرحها للناس. هناك مشاكل عميقة في تعامل الناس مع القرآن: الانتقائية والأخذ بالسهل وترك ما فيه مشقة من واجبات يدعو اليها القرآن، هناك ايمان ببعض الكتاب وترك البعض الاخر، وهناك من مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا، كل هذا يقع على عاتق أهل العلم أن يوضحوه للناس.
لدينا فرصة ذهبية، تأتي الاف الناس للمسجد الاقصى طواعية، تريد أن تستمع من علماء الاقصى، لديها استعدادية نفسية عالية لتتلقف ما يقوله شيخ الاقصى، فلا تستمع الا الى القرآن بصوت القارئ الجميل ويغيب صوت العالم الذي يأخذ بايدي الناس الى المفهوم القرآني بكل حكمة ورشد.
أقترح أن تشكل لجنة من العلماء لتحضير دروس الاقصى في رمضان بمواضيع قرآنية مهمة وفق اولويات الواقع ثم تقدم كوجبة دسمة متعوب عليها اثناء صلاة التراويح، وان نبتعد عن الارتجال الذي يكرر نفسه ويعاد تدويره في كل عام، وفيها يتحقق فعل العلماء الذين ذكرهم رسول الله: ينفون عن القرآن: تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ ويبثون روح التدبر والفهم القراني الرشيد.