ما زالت الكثير من العادات والتقاليد تغرس أنيابها في شراييننا، وتأمرنا بكل قوة وتوجه مساراتنا وأفكارنا نحو وجهتها، وكأننا مثل الذين يساقون إلى الموت وهم ينظرون، لا حول لنا ولا قوة، بل لا أبالغ لو قلتُ إن عادات وتقاليد قد اكتسبت هيبة أكبر من نصوص قرآنية ونبوية، يا للأسف!
من العادات التي تسكن جدول أعمالنا وتسبب لنا إرهاقًا وإحراجًا هي "العيدية"، فمن الناحية النظرية العيدية شيءٌ جميل "متى توافرت"، فهي تدخل البهجة والسرور في نفوس الأرحام، ومن الناحية النظرية، السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا لو جاء العيد ولم تتوافر الإمكانات المالية عند أحدنا لممارسة هذا الطقس؟، وماذا لو جاء العيد وجاء الأب أو العم أو الخال أو الأخ أو الأبن ولم تأت معه العيدية؟
الإجابة تكون منطقية حينما تكون مستوحاة من الواقع، ففي حالة أن الوضع المالي للشخص لا يسمح له بممارسة هذا الطقس، يكون هنا أمام 3 خيارات:
إما أن يستدين ليؤدي واجبات العيد، وهذا يشكل عليه عبئًا إضافيًّا، خاصة في الظروف الصعبة التي نعيشها بغزة.
وإما أن يقطع رحمه لأنه لا يملك ما يقدمه لهم من هدية أو عيدية، وربما لا يملك ثمن التنقلات.
وإما أن يذهب إلى زيارة الأرحام دون هدية، ولسان حاله يقول: "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان".
شخصيّاً لا أوافق على الاستدانة أو القطيعة، أنا مع الذهاب حتى دون هدية، مع الحرص على توفير مبلغ متواضع يوزع على الأطفال لأنهم ينتظرون هذا اليوم على أحر من الجمر، فالطفل يحفظ من يعطيه ومن لا يعطيه، أما لو تمتع الرجل بما يعينه على منح الأرحام مبلغًا من المال أو شراء هدية، فليفعل ولا يبخل.
أمام هذه الخيارات ما المطلوب من الأرحام؟
العيدية والهدية ترققان القلوب وتزيدان المحبة وفق النهج النبوي: "تهادوا تحابوا"، وهذا في حالة اليسر، أما في حالة العسرة فعلى الأرحام أن يتمتعوا بفائض التفهم والتماس العذر، ويكون لسان حالهم كما كان سيدنا يوسف مع إخوانه إذ: "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ"، أي لا مشكلة، وعلى المرأة خاصة حين يأتي أهلها لزيارتها أن تترجم قولاً وفعلاً سرّاً وعلانيةً: "دخلتك علي بالدنيا كلها"، وتتذكر قول الله (عز وجل): "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، لذا أقترح:
أن يعتاد الرجل زيارة أرحامه باستمرار حتى دون مناسبات، مع هدية، متى سمحت ظروفه.
أن يستعد الرجل للأعياد بادخاره القليل من دخله الشهري، فما إن يأتي العيد حتى يكون المبلغ المطلوب كله أو جله، متوافرًا.
أن نرسخ في عقول أولادنا أن الزيارة دون هدية أفضل من القطيعة.
وكل عام وأنتم بخير.