"يا الله ما أصعب الصلاة في المسجد الأقصى، أي تسهيلات بيحكوا عنها؟!" هكذا كتب الفلسطيني سائد أبو بهاء من مدينة رام الله، على صفحته في موقع (فيس بوك) عقب وصوله إلى ساحات المسجد الأقصى في الجمعة الأولى من رمضان، ثم دعا بالانتقام من الاحتلال الإسرائيلي.
ويتوافد مئات آلاف المصلين من الضفة الغربية والداخل المحتل إلى المسجد الأقصى المبارك لأداء الصلوات، وخاصة يوم الجمعة من كل أسبوع في شهر رمضان.
ويروى أبو بهاء لـ"فلسطين" معاناته في أثناء الذهاب إلى المسجد الأقصى في الجمعة الأولى من رمضان، قائلًا: "عقدنا النية فرحًا للذهاب إلى المسجد الأقصى المبارك، خاصة بعد طول انتظار، قد يكون أقله عامًا وأكثره أربعين، لنحصّل هذه الزيارة".
وخرج الفلسطينيون من الأراضي الفلسطينية كافة متوجهين إلى قبلة المسلمين الأولى، منهم من يخرج قبل صلاة الفجر وهم الذين يسكنون المدن الشمالية، ليصلوا إلى معبر قلنديا وأزمة السير الخانقة هناك، حيث تتجمع مئات الحافلات في منطقة صغيرة المساحة، فيضطر الشخص إلى إكمال طريقه سيًرا على الأقدام وأمامه الكبار والصغار والشيوخ والنساء، دون وجود شرطي واحد لتنظيم السير.
ويضيف: "هنا تبدأ أولى محطات العذاب، حيث معبر قلنديا، تجد آلاف الناس متجمعين، ينفصلون في معبر للنساء ومعبر للرجال، في مسارب توصل إلى نقطة جيش الاحتلال بعد طول عناء، ليواجهك جندي احتلالي قد يرجعك دون سبب وأنت الذي انتظرت أكثر من ساعة لتعيد الكرة مرة ومرة".
وبعد هذه المحطة اعتقد أبو بهاء أنه دخل القدس وانتهت المعاناة، ليتفاجأ بمحطة أخرى حين وصل إلى "الزكزاك" (آلية تشبه المتاهات)، حيث يتجمع الآلاف في مسارب لا تسع إلا شخصًا واحدًا يبقى ماشيًا ببطء، واشتاط غضبًا حين شاهد لافتات كتب عليها: "هذه المشاريع صممت لراحتكم فحافظوا عليها"، مذيلة بتوقيع منسق الاحتلال.
ثم "المعاطة" معاناة جديدة، حيث تجمع مع المئات في غرف ينتظرون عطفًا من جندي بفتح تلك الآلة، ثم يسمح بمرور عشرات وتُغلق، ليقف بعدها داخل سجن كبير يطلق عليه "المشكيف" ويحتوي آلات فاحصة، وتنزع كل حاجات الشخص وتفحص، يصاحب تلك العملية نظرات حقد ينادي صاحبها الفلسطينيين طالبًا الهوية للتدقيق، وفق تعبيره.
ويتابع: "لك أن تتخيل كل ذلك على الآلاف، وكم من الوقت قد مر لنتأخر عن الصلاة".
تجاوز أبو بهاء هذا السجن، لكنه فقد أفراد عائلته لكثرة الازدحام بعد تلك المحطة، وظل يبحث عنهم نحو ساعة بسبب انعدام الاتصالات هناك.
جمع شمله، ثم ذهب ليصطدم بمعاناة الحافلة التي ستنقلهم إلى المسجد، حيث توجد جندية احتلالية "سمراء لعينة" تجبر الناس على التزاحم.
فرحة ما تمت
وتمر الحافلة بعد طول عناء في المدينة المقدسة عبر ممرات مخصصة لا يمكن للسائق تجاوزها، ويستطرد أبو بهاء: "هنا يبدأ يعتصر قلبك ألمًا حيث ترى القدس وقد هودت، لا تكاد تجد فيها رمزًا عربيًّا أو إسلاميًّا".
وصوله إلى المسجد الأقصى ودخوله من باب الزهراء كانا كفيلين بتضييع فصول معاناته المتقدمة، وما أفرحه أكثر الاستماع لدروس الخطباء، ومشهد المنبر الصلاحي، وجمال القبة الذهبية، حيث عادت به الذاكرة إلى الفتح العمري ونور الدين وصلاح الدين والجمال الفني لعبد الملك بن مروان، كما قال.
لم تستمر فرحة أبو بهاء طويلًا حيث طريق العودة، وقد أجبره الجنود على الدخول في سراديب كأنها "سراديب الغنم" بمعاملة سيئة، وبعدها تتسلسل محطات المعاناة المذكورة آنفًا مجددًا.
ويرى أبو بهاء أن الاحتلال يهدف من ممارساته لجعل الفلسطيني يفكر ألف مرة في إعادة الكرة مرة أخرى نحو القدس، يستدرك بالقول: "مع ذلك هواء القدس ينادينا وسنبقى منتظرين الجمعة لشد الرحال لها، وعسى الله أن يكرمنا بصلاة فيه محررًا ونحن من جند التحرير".
وتكشف هذه المعاناة زيف تصريحات ما تسمى الإدارة المدينة التابعة للاحتلال، التي أعلنت في أوقات سابقة تقديم "تسهيلات" للفلسطينيين من أجل الوصول إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان.