فلسطين أون لاين

دونه لا مذاق لقهوة رمضان

ما عاد "ياسر" يغرّد "يا إِميَّا"

...
كتبها/ يحيى اليعقوبي:

تأخذها الأيام بعيدًا مع مرورها، تشتاق إلى شهيد غابت صورته وصوته، لكن نجلها الشهيد الصحفي ياسر مرتجى الحاضر في قلبها كيف سيغيب عن ذاكرتها؟!، مر أكثر من عام على استشهاده ولا تزال عيناها تشتاقان إلى رؤيته وسماع صوته، يحن لسانها إلى مناداته، وصوته القادم من بعيد مرددًا لقبه لأمه: "يا إميَّا"، لعله يبرد من نار الفراق بداخلها، وما زالت لا تصدق أنه رحل.

وكأنها تكابر كي لا تصيب سهام حزنها الجميع؛ أبكتها تلك الرصاصة الإسرائيلية التي أخذت روح نجلها، وإن دمعات الألم والفراق ترسو يوميًّا على شواطئ وجنتيها، لما تصادف موقفًا مع ياسر تفتقده الآن.

يمر رمضان الثاني على عائلته ولا يزال طيفه يحوم على موائد الإفطار، فكان له طابع خاص،تفتقد جلسته وطلته "البهية" وابتسامته التي تلازم وجنتيه، لا يعرف أحد سر جاذبيتها للآخرين، تفتقد والدته "خيرية مرتجى" كل لحظة "حلوة" جمعتها بنجلها، منذ أن أبصر الحياة حتى كبر وشب شبابه، إلى أن استشهد في 6 نيسان (إبريل) 2018م: "أفتقده اليوم في كل شيء؛ وكأنه استشهد أمس".

كان لياسر مع والدته وعائلته برنامج رمضاني خاص، يشارك عائلته في إعداد موائد الإفطار، رغم انشغاله مرات عديدة في تصوير الأفلام الوثائقية.

"أكثر الأشياء المميزة لابني في رمضان حبه للرحلات العائلية، ومشاركتنا في المنزل، وجو المرح والسعادة الذي كان ينشره في البيت" بهذا بدأت والدته حديثها إلى صحيفة "فلسطين".

في كل ثانية ودقيقة لم يغب ياسر عن قلب أمه مذ رحيله؛ لا يتوقف النبض باسمه رغم مرور عام، وما زال طيفه يحوم في أنحاء البيت، لطالما تخطئ في المناداة على أولادها في البيت: "يا ياسر"، ثم سرعان ما تخرج من الحلم الذي تتمنى عودته مرة أخرى، حينما تقع عينها على صورة ابنها مكتوبًا عليها: "الشهيد الصحفي ياسر مرتجى".

على أطلال ما تبقى من ذكريات، تجلس والدته بعدما انتهت من تناول الإفطار، تحتسي كأسًا من "القهوة"، سرعان ما وضعتها جانبًا وتركتها، شاردة إلى تلك الأيام الرمضانية التي كان ياسر يعد لها "القهوة" بعد الإفطار، حتى إنها ترفض أن يعدها أحد غيره من مذاقها.

"كان لقهوة ياسر طعم ومذاق ورائحة مميزة، بعد كل إفطار يعدها بيده ويقدمها لي ولإخوته؛ الآن أفتقد هذا الاجتماع الأسري على موائد الإفطار، أتذكره حينما أعد الأكلات التي كان يحبها كالمقلوبة والملوخية" أضافت.

"هل استشهد ياسر ورحل؟، هل فعلًا من يستشهد لا يعود؟" هذه أسئلة وأحاديث تتصارع في وجدان والدته مع أحزان قلبها، تابعت: "يكفي أن يكون صوته في البيت، كان له دعابة جميلة مع إخوته بتصرفاته "الفكاهية"، لا أنسى براءته وحركاته".

قد ينشغل ياسر عن عائلته نتيجة عمله الصحفي في مجال الأفلام الوثائقية، لكنه حينما يكون معهم يحاول تعويضهم عما فات.

الآن اختلف الأمر؛ افتقدت لمة العائلة شخصًا ليس عاديًّا، غاب عن موائد الإفطار، وبقي طفله عبد الرحمن يذكرهم به في كل لحظة، وقد حضر لزيارة جدته فأعطته عمته قطعة من "الآيس كريم"، وحينما أعطت عمته لكل من والدته وجدته قطعة أكبر، حدث موقف فكاهي وحزين في آن واحد.

جلس "عبد الرحمن" على الأرض رافضًا قطعته الأولى غير راضٍ بما أعطته عمته وهددها ببراءة: "مش راح آخدكم أنت وجدتي على الجنة عند بابا"، وزاد في تهديده، والجميع يبتسمون: "راح أسكر على حالنا أنا وماما باب الجنة"، فقدمت له عمته القطعة التي يريدها، راجية إياه وهي تحتضنه: "خدني معك، حبيبي"، علقت جدته على الموقف: "انظر؛ كيف لطفل يذكرك بوالده في كل موقف، بحركاته وملامحه تمامًا مثل والده، فكيف ننسى ياسر؟!".