بداية، لا يصح مقارنة ما يملك الاحتلال من سلاح عسكري مادي، بما تملك المقاومة في غزة من أسلحة عسكرية، لكن يصح مقارنة قوة المقاومة من ناحية الإرادة والعزيمة والإصرار على نزع الحرية من حلق عدوها، والحرب النفسية وتحييد قوة الاحتلال العسكرية والمتمثلة بسلاح الطيران عبر سلاح الأنفاق، واستنزاف الاحتلال بجولات متتالية وليس معركة كسر عظم دفعة واحدة، حيث رأينا كيف ينتقم الاحتلال من مقاومة غزة في كل جولة يخسرها، بقتل المدنيين وهدم العمارات السكنية الضخمة.
كيف نفسر تصريحات "زئيف ألموغ" القائد الأسبق لسلاح البحرية الإسرائيلي في مقاله مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، بأن (إسرائيل) خاضت مع حماس تسع جولات عسكرية في قطاع غزة، وكل عملية أكثر فشلًا من سابقتها؟! أليس هذا إقرارًا بفشل الاحتلال بخطر المقاومة المتعاظم، بفعل دقة تخطيط المقاومة وفهم نفسية الاحتلال، وعدم الارتجال والفهلوة في أمور حساسة فيها تحرير وطن لاحق، إن أحسنت المقاومة ادارة الجولات.
لو كانت دولة الاحتلال تملك التفوق التكنولوجي على مقاومة غزة، فلماذا عجزت عن اعتراض صواريخ المقاومة، والطائرة التي أطلقت قذيفة نحو مدرعة، وصاروخ الكورنيت الذي ضرب مركبة عسكرية؟ وكيف نفهم دعوة "ألموغ" قائد بحرية الاحتلال السابق إلى التفكير خارج الصندوق لتحدي ومواجهة قوة المقاومة البحرية المتنامية؟
وإن كان الاحتلال متفوقًا فكيف نفسر عدم قدرته على معرفة مكان جنوده الأسرى في غزة المحاصرة جوا وبرا وبحرا، ومغطاة بالكامل من قبل طائرات الاحتلال الاستطلاعية على مدار الساعة!؟
صحيح أنه لا يصح تعظيم قدرات حماس العسكرية أكثر من اللازم –أحيانا الاحتلال يستخدم هذا الأمر لتبرير إجرامه- وهو ما دفع أحد عملاء أمريكا للقول إن حماس توجه صواريخها الباليستية للخليج، ولا يصح الاستخفاف بقدرات دولة الاحتلال في المجال التقني العسكري، بل المطلوب على الدوام التعامل مع قدراتها في المجالات المختلفة كما هي دون تهويل ومبالغة يصل حد الهوس؛ لأن ذلك يقود دولة الاحتلال للانتصار مسبقا ودون حرب، عبر الحرب النفسية والتي هي أحد أسس الانتصار في الحروب.
نصر بلا معركة، هكذا يعتقد الاحتلال أنه بإمكانه هزيمة المقاومة، حيث يحاول جيش الاحتلال بكل ما أوتي من قوة، إتقان فن الحرب النفسية بهدف تثبيط العزائم، والاستسلام والإذعان له، خاصة كذبة تفوقه في مختلف المجالات وتحديدًا التقنية العسكرية منها.
مع كل جولة لعدوان الاحتلال على غزة، ما عادت تنطلي على أحد كذبة الجيش الذي لا يقهر لتفوقه التكنولوجي وامتلاكه أسلحة لا تقهر ولا تجابه؛ فهذه الأكاذيب عفا عليها الزمن؛ خاصة بعد إخفاق الاحتلال في حربه العدوانية الأخيرة لمدة يومين على غزة والحرب العدوانية عام 2014، طيلة 53 يوما من القصف الجوي والبحري والأرضي دون أن يحقق أيا من أهدافه التي أعلنها.
دائما الاحتلال يروج إلى نجاحاته الاستخباراتية والعملياتية، وأنه اليد الطولى يصل لكل من يفكر بمحاربته، ولا ينشر إخفاقاته التي جعلته يخشى غزة المحاصرة جوا وبرا وبحرا، فصارت هي من تحاصره بدل أن يحاصرها، مع إدراكنا أن ثمن الحرية كبير، ولا تقاس الجولات بالخسائر بل بتحقيق الأهداف.
الاحتلال يعمل بالمثل القائل :"اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدق الآخرون"، وتصريح "آفي ديختر" قائد الشاباك السابق لدى الاحتلال بأنه سيقوم بنكبة ثالثة للفلسطينيين، بعد أن نجحت المقاومة بقصف منزله المسروق من الفلسطينيين، وهذا يدل على مدى دقة صواريخ المقاومة ونجاحها، وأن قادة الاحتلال صاروا يهددون ولا يفعلون، بينما كانوا في السابق يفعلون ويشنون الحروب، ومن ثم يهددون.