بداية الذين يمرون عبر حواجز الاحتلال يوم الجمعة للصلاة في المسجد الأقصى هم ليسوا عبيدا، بل هم عباد لله، أحرار يعشقون قدسهم واقصاهم ومستعدون للتضحية ولتجرع القهر والالم من أجل صلاتهم، وهم يعتقدون تماما أن هذا من أجل إثبات حقهم وهو مقاومة لافتراءات الاحتلال واعتداءاته الهمجية الدائمة على هذا الحق الثابت الاصيل الذي لا يتزعزع مهما بلغ حجم عدوانهم ومهما تفنّنوا في صنوف عذابهم.
ولكن اجراءات الاحتلال تقوم على أساس أن ما هؤلاء الا عبيد أو كائنات تحظى بدرجة أقل من درجة الحيوان أو القطيع لأن هذا يستحق الرفق بينما ما يجري في غاية القسوة، ولأن اجراءاتهم تستهدف الفلسطيني فقط بينما الاسرائيلي تبسط له الطرق ويجوب البلاد طولا وعرضا من غير أن يستوقفه أحد، فهي إذا عنصرية بغيضة تستهدف هذا الانسان الفلسطيني من أجل إشعاره بأنه عبد يسوقه سيده الى حيث يريد وكيفما يساق العبيد.
والان دعونا نوضح باختصار كيف تفتّق العقل الصهيوني وأين وصلت ابداعاته وكيف تتجلى اجراءاته العنصرية كسياط تلهب ظهر الفلسطيني بكل فظاظة وقسوة، كيف يرون رمضان وكيف يترجمون تقوى المؤمنين فيه: تهنئة عبرة شاخصة كبيرة على حواجز العذاب بقدوم شهر رمضان، زينة بانوار ليلية وتحت ذلك ويلات العذاب التي اعدت للمتقين:
أذكر أولا أن هذا المرور الى القدس قد قيدوه بشروط قاسية، يسمحون للفلسطيني في اربعة ايام في السنة، فقط أيام الجمعة من رمضان وعلى من تجاوز الخمسين من العمر، الاسرائيلي يسمح له الثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع اليوم، ومن كل الاعمار فما هي نسبة الانسان الفلسطيني من الاسرائيلي في هذه العنصرية الجميلة؟ دون الدخول في التفاصيل حيث لا يسمح لمن عليه نقاط أمنية ولم يتجاوز معادلات الهوس الامني الذي يسكن أعماق القائمين على أمنهم.
تأتي الى الحاجز لتجد حشدا تعداده الالاف الذين سبقتك قلوبهم العاشقة للصلاة في قدسهم، وتجد هذه الالاف قد أعدت لها مسارب، وحتى تصل اليها تدخل في معمعان هذا الحشد، يسير بك ببطء شديد ثم تصل المسارب والتي يقف على رأسها زبانية تفحص هويتك وتدقق في سحنتك، وتنظر في شيب رأسك: هل بلغت الخمسين (سن الرشد القانوني لصلاحيتك دخول رحاب القدس). وعلى هذه المفرزة الاولى يدخلون من اطمأنت نفوسهم الخبيثة له ويرجعون كثيرين لم يزنهم ميزانهم المرهف الحسّ.
تظن أن حظهم قد أخذوه منك بعد هذه المفرزة نهاية هذه المسارب، الا أنك تساق الى مسرب طويل، تجد نفسك مجردا من اي خيار آخر، تدخل وتحشر مع المحشورين نهايته تفاجأ بأنه يفضي الى مسرب ثالث ثم رابع وخامس، تخرج ظانا منك أنك قد تحررت وقد أخذوا من أعصابك ما يحلو لهم ولم يبقوا منها شيئا، تتجرع مرارة الشعور بالعبودية وقهر الاحتلال حتى النخاع.
ثم تجد حشودا قد سبقتك على بوابات الكترونية متعددة لتفحص هويتك وتمحيصها الكترونيا، تمكث ما شاء لهم أن تمكث، هناك خلف النوافذ الزجاجية المغلقة من يتسلون بقهر المسنّين الذين فازوا في سباق المسارب سابقة الذكر، وويل لمن له سابقة أمنية عندئذ يطرد شرّ طردة أو هناك من يعتقل اذا لزم الامر، يفتح له باب كهربائي ليجد نفسه في نظارة مغلقة ينتظر بوسطة الاعتقال.
بعد ذلك إن رشحتك مفارزهم لجائزة الفوز بدخول القدس، تساق الى ما يسمى "المعّاطة" وهي دولاب حديدي يمر الناس منه اصطلح عليه الناس نسبة لمعاطة ريش الدجاج، تخلع حزام وسطك وتضع ما بيدك وفق طقوس تعلّمها الناس، اذ يوجهك ما عليك فعله من حولك الذين تتلمذوا على تعاليم الذلّ والانصياع.
بعد ذلك ان كتب لك أن تنفذ بريشك تنطلق حيث تخرج النساء من مسارب في الجانب الاخر أعدت لهن، تساق الى ساحة الحافلات لتجد أيضا نفسك في معركة جديدة فإذا حظيت بمقعد تجد الحافلة في مسرب أعد لها وكأنها قد استلمت البضاعة وفق تعليماتهم لتسلمها في مكان مخصص في القدس قد اكتظ بالشرطة ورجال الامن، فقط يسمح لك أن تنظر من النافذة الى السعداء من البشر كيف يسير شيبهم وشبابهم وأطفالهم بحرية تامة، حافلاتهم المرفهة وقطاراتهم السعيدة، هناك تجد انسانا آخر، تقرأ بوضوح: أنت أيها الفلسطيني عبد لنا، عليك أن تتجرع العبودية بكل أشكالها، عليك أن تعبد عجلنا وأن تتجرع ويلات عنصريتنا.
تنزل من الحافلة محفوفا بالامن من كل جانب، لتسير في مسرب لا يزيغ يمينا ولا شمالا الى حيث بوابات الاقصى والفرز الامني الاخير من قبل مفارز امنية أُعدت على كل باب للمتقين! ويل لك ان لم يظهر شيبك وتتجلى شيخوختك ،عليك ان تظهر مسنّا، متاخر الصدر محدودب الظهر واهن العظم وقد أكل منك الدهر عتيّا. أنت حينئذ تكون قد تأهلت لدخول مسجدك أنت حينئذ من المتقين الذين يجوز لهم دخول المسجد.
سيكتب التاريخ هذه العنصرية السوداء، اعلموا أنكم تسطرون على أجسامنا وتحفرون في نفوسنا عميقا أن عنصريتكم هذه لن تنسينا حقنا في القدس ونحن رغم أنف هذه العنصرية البغيضة لن تنزعوا منا القدس الا اذا نزعتم قلوبنا من صدورنا.