يدمي القلب، ويزيد من أوجاعه أكثر وأكثر منظر طفلة مقدسية وهي مكبلة يداها وقدماها خلال إحضارها إلى محكمة إسرائيلية، وهو المنظر الذي تكرر مع الطفلة الأسيرة المقدسية منار شويكي، التي اعتقلت بسن 15 عامًا، لتحاكم بسن 16 عامًا ويحكم عليها بالسجن مدة ست سنوات، وسط غياب تام لدعاة حقوق الطفولة، والمؤسسات النسوية الداعمة لحقوق المرأة.
"حسبنا الله ونعم الوكيل" هي الجملة التي تردد صداها قبل أسبوع في قاعة إحدى محاكم الاحتلال بالقدس، بعد إصدار الحكم الجائر بحق طفلة مقدسية، كان من المفترض أن تكون مع زميلاتها بين أدراج مدرستها في القدس المحتلة، تلعب ألعاب الطفولة بكل براءة، لا أن تكون في زنازين نتنة حتى لا تصلح الحيوانات، حيث لا شمس ولا هواء نقي، بل فقط أربعة جدران.
ولكل أسير وأسيرة حكاية مع الوطن السليب، فوالدة الطفلة الأسيرة منار تقول نقلًا عن ابنتها بعد زيارتها في السجن: "إنّ قوات الاحتلال أحضرت كيسًا من الدماء، ولطخ الجنود يدها بمحتواه، وبعدها أحضروا سكّينًا ووضعوها أمامها، ليبدؤوا فورًا التحقيق معها بقسوة، ويجبروها على الاعتراف بما لم تقم به".
باتت الطفلة الأسيرة المقدسية منار التي هي ياسمينة الدار كما وصفتها أمها وجعًا في قلب كل حر وغيور في هذا العالم، ونخزة في ضمير كل حر وأبي وشريف في الوطن المأسور والمقهور بفعل الاحتلال الظالم.
كل إنسان لا يشعر بعذابات الآخرين، ولا تؤثر فيه صورة طفلة أسيرة وهي مكبلة يداها وقدماها، ومعتقلة في قفص؛ يكون قد تجرد من المشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلة، وتحول إلى شيء لا يستحق لقب إنسان.
تعسًا لـ12 مليون فلسطيني، و300 مليون عربي، ولأمة المليار ونصف المليار مسلم، وهم يرون صورة الطفلة منار باكية حزينة تستنجد قادة العرب والمسلمين، ولا مجيب ولا مغيث، ولا أحد يحرك ساكنًا، وكأنه لم يحدث أمر جلل.
كيف لطفلة في عمر الزهور أن تحمل سكينًا لتطعن به؟!؛ فالمحكمة في القدس أدانت منار شويكي بمحاولة طعن مستوطن في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2015م، وما الأسباب التي جعلت طفلة مقدسية خلف القضبان؟
الطفلة الأسيرة شويكي لا تعاني وحدها؛ فهي الآن أصغر أسيرة مقدسية في سجون الاحتلال، ويحتجزها الاحتلال في سجن (هشارون)، مع أكثر من 50 أسيرة، في حين أن إجمالي الأسيرات في سجون الاحتلال 65 أسيرة يقبعن في سجني (هشارون) و"الدامون" الصهيونيين، من بينهنّ 15 فتاة قاصرات من سنّ 15 عامًا فما دون.
تجلت مأساة ومعاناة الطفلة منار بفقدانها المبكر لطفولتها، ولا أحد يحتج أو يعترض في العالم الغربي، لكن لو كانت طفلة يهودية في الأسر لقامت قيامة الدول الغربية، ولوصف الفلسطينيون والعرب بالمتوحشين المجرمين، كأقل وصف يمكن أن يوصفوا به.
قهر ما بعده قهر يعيش فيه الأطفال المقدسيون حتى دون اعتقال؛ فكيف بالاعتقال؟!، وهو ما ينطبق على أطفال الضفة الغربية عمومًا، الذين لا يعيشون طفولتهم كبقية أطفال العالم بالفرح والسعادة والألعاب.
ما يخفف من ألم أسر الطفلة منار هو تعلقها وتعلق بقية الأسيرات والأسرى بالأمل الحي والكبير رجال المقاومة والأنفاق، الذين لا ينامون الليل وهم يفكرون بخلاصها وخلاص 7000 أسير وأسيرة، فالمجد والعظمة والتحية لكل من فكر وخطط وضحى لوطنه، ونجح بفك أسر أطفال بعمر الزهور، "ويرونه بعيدًا ونراه قريبًا".