فلسطين أون لاين

​حينما قُصفت عمارة "الغصين"

نساء وأطفال لم يسعفهم الوقت لتأمين أنفسهم فعاشوا لحظات مرعبة

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

في ليلة ممزوجة بالخوف اخترق صوت نافذة منزل عائلة صقر "اطلعوا من دوركم.. بسرعة"، تركت والدة الشاب محمد صقر كل شيء من يدها، وهمت مسرعة وإخوته نحو الطوابق السفلية في عمارتهم المكونة من ثمانية أدوار.

كان جميع الجيران في الخارج يركضون، أطفال، نساء، رجال.. "ماذا يجري؟ أي المباني ستقصف؟"، يسأل محمد أحدهم، فرد عليه وهو يركض: "أخلوا البيت بدهم يقصفوا عمارة الغصين" وهي مقابلة لمنزلهم ولا تبعد أكثر من 30 مترًافي حي الرمال بمدينة غزة.

في تلك اللحظات أطلقت طائرات عسكرية إسرائيلية مسيرة صاروخًا أصاب السطح الأخير من عمارة "الغصين" حينها خيم السكون على المنطقة التي باتت خالية من أي حركة، في حين سيطر الخوف على والدة محمد التي أصرت على ترك المكان، فنزل "محمد" عند رغبتها وأخرجها من العمارة حيث سارا عشرات من الأمتار، ثم عاد مسرعا للبيت.

ويشير "محمد" إلى أنه لم يكن بالإمكان تأمين خروج (30) فردا من العائلة خلال خمس دقائق-المهلة التي حددها جيش الاحتلال للإخلاء- فآثرنا البقاء في الطوابق السفلية حرصًا على سلامة النساء والأطفال من شظايا الصواريخ "لا أنسى تلك اللحظة المرعبة".

ويروي ما عاشته العائلة وهو يكنس آثار الردم والزجاج المتطاير: "سمعت من قبل أصوات سقوط الصواريخ؛ لكن حينما قصفت عمارة الغصين المجاورة لنا، شعرت أن بيتنا هو الذي قصف، لم نر سوى وميض وسمعنا صوتا مرعبا اهتز المنزل كما لو كان هناك زلزال، صاحبه بكاء الأطفال والنساء، لم نملك سوى الدعاء بأن يسلمنا الله من هذه اللحظة الصعبة".

وفي الجانب الآخر من المبنى المستهدف كان الخمسيني أبو فوزي صقر يغط في نومه على أمل بيوم أفضل من الذي عاشه الغزيون، قبل أن يدخل عليه أحد أولاده ليوقظه مرات عدة محررًا الكلمات من شفتيه الراجفتين .. "بابا؛ قوم بسرعة بدهم يقصفوا عمارة الغصين".

يقول أبو فوزي: "نزلنا أنا وإخوتي في أقل من دقيقة دون أي شيء، الجميع كان يركض على سلم العمارة بخطوات سريعة، وضعت يد والدتي المسنة على كتفي، كانت تمشي بخطوات متثاقلة الدرجة تلو الأخرى (..) في هذه اللحظة سمعت صوت الصاروخ الثاني الذي أطلقته طائرات الاستطلاع.. رأيت الموت أمام عيني".

ويضيف: "كانت الناس تبتعد عن منطقة الخطر، والإسعافات وصلت إلى المكان، فجاء بعض الشباب وساعدوني على حمل والدتي والابتعاد بها لمسافة آمنة".

أما مالك العمارة سالم الغصين فلم يكن على علم بما يجري حتى إلا حينما أفسد اتصال صديقه نومه يخبره: "عمارتك اللي بشارع الشهداء بتنقصف". نزل الخبر عليه كالصاعقة لكنه استبعد ذلك: "يمكن الرقم غلط"، ليرد المتصل: "رأيتها بعيني تقصف".

يجلس سالم الغصين، وهو رجل أعمال على كرسي بلاستيكي يتجمع أصحاب المحال التجارية يعاينون أضرارهم مستذكرًا ما حدث قائلًا: "بعد الاتصال جئت إلى المكان فوجدت العمارة مدمرة، لم أصدق ما شاهدت، لا أعرف لماذا قصفت .. عمارتي سكنية لأطباء ومهندسين ومؤسسات مدنية".

ويشير الغصين إلى أن عمارته تضم (14) شقة، نصفها مشغول بمكاتب لمؤسسات مدنية وبعضها فارغ لعدم قدرة أصحاب المؤسسات على دفع الإيجار "حتى الحواصل كانت لأحد المطاعم وأغلق منذ عامين".