أصبح اعتياديا أن يمارس الاحتلال هوايته بإغلاق شارع رئيسي من خلال بوابة بين البيرة والجلزون يقطع من خلالها الطريق بين الشمال والجنوب، أمر يراد له أن يكون طبيعيا معتادا كما هو حال حواجز كثيرة تُقطّع الضفة الغربية شمالا وجنوبا.
لا يوجد في العالم من يضع بوابة على شارع رئيسي يربط بين شمال البلد وجنوبها إلا عندنا ببركات هذا الاحتلال الفهيم، آلاف السيارات تضطر أن تعود أدراجها بسبب هذه البوابة، الاحتلال يتصرف بمنطق العربدة وبأن بيده ملكوت كل شيء في هذه الديار، أرضها وسماءها وطرقها ومياهها وهواءها وحركة مرورها وأنفاس ناسها، كل شيء خاضع لمزاجه العكر، تماما كمنطق الذئب الذي ادعى أن الحمل بشربه من النهر قد عكر الماء وعليه أن يدفع روحه ثمنا لهذا السلوك غير الصحيح. والفلسطيني اليوم من غير أن يعكر الماء أو أن يرتكب أي شيء يدفع الثمن، عليه أن يتصرف كما القطيع، تُحدد له الطريق ويُساق إلى حيث يريد سيّده، يجرده من كرامته ويشعره بأن الطريق ليست طريقه وأنه مجرد حشرة زائدة أو كائن قميء غير مرغوب فيه، أنت أيها الفلسطيني لا شيء لك ولا وزن لك ولا حقيقة لوجودك في هذا البلد إلا كونك ضيفا ثقيلا طال بقاؤه على قيد هذا البلد بغير وجه حق.
هذه هي أخلاق الاحتلال العالية وأذواقه الرفيعة! هكذا يتفنن في ترويض الناس على أن يسيروا على عجينه النكد فلا يخربطوه، أن يسيروا في المسار الذي يحدده لهم وأن يحشرهم تماما كالقطيع ويزجّ بهم في المسرب الذي يريد، بكل عنصريته السوداء يذيق الناس وبعقوبات جماعية أشد ألوان العذاب والانتظار وتعريج حركة السير بطرق جهنمية، ليرد بهم عنق الزجاجة التي هي بوابات المدن، وليحشرهم ساعات طوالا بما يهدر الوقت والوقود والأعصاب وتجرع كل أشكال القهر والشعور بالذل والمهانة.
ثم تأتي صفحة المنسق لتقول قولا آخر ولترسم صورة وردية لهذا الاحتلال الأسود، تدعي هذه الدولة العنصرية أنها تشع نورا وضياء وأنها تصنع أجمل الصور الحضارية للعالم أجمع، بينما رحلة بسيطة ومقارنة بين حركة مستوطن مع حركة مواطن فلسطيني، هذا يتمتع بشبكة طرق تقصر المسافات وتصل به إلى المراد على بساط الريح، سفر ممتع ومريح وسريع، بينما الفلسطيني سفر قاتل وممل وبطيء إلى درجة يكون فيها وقت مسافرنا أضعافا مضاعفة من وقت مسافرهم. لا توجد مقارنة إلا وتكتشف عنصريتهم السوداء، حكومتهم توفر لانسانهم كل الخدمات الممكنة وتوفر لانساننا كل اللعنات التي لا تخطر على قلب بشر.
هم يملكون اغلاق البوابة في وجه الفلسطيني، ويفتح لهم العالم الحر كل بواباته، وللأسف صارت بعض بلدان العرب تفتح لهم كل بواباتها وتُشرّع لهم على مصراعيها، الفتح المبين لهم من قبل الأشقاء بينما الاغلاق المر اللئيم للفلسطيني أينما حل أو ارتحل، نتحدث اليوم عن بوابة في الداخل الفلسطيني أما بوابات الحدود من معبر رفع إلى معبر الكرامة (نكتة تسميته الكرامة) فحدث ولا حرج، التحكم الكامل بالأنفاس والحركات والسكنات والبصمات بمعادلة الهوس الأمني التي تحكمهم ويتذرعون بها في كل ممارساتهم السادية على هذه المعابر للذل والقهر النفسي المريع.
إنها ممارسة القتل للروح وزراعة الذل بامتياز لهذا الاحتلال الذي لا يعرف إلا كيف يسوّد الحياة الفلسطينية.