بدأ التلميح والتصريح حول صفقة أمريكية جديدة عرفت إعلاميا ب(صفقة القرن) منذ نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للوصول إلى الرئاسة الأمريكية عام 2016، ورغم الغموض الذي اكتنفها وعدم وجود وثائق رسمية تثبت صحة هذه المعلومات إلا بعض التلميحات الخجولة من الإدارة الأمريكية عبر ثلاثية ترامب كوشنير و جرينبلات وما تبعها من تصريحات إسرائيلية وعربية، أخذ الإعلام في التعامل مع هذه التصريحات على محمل الجد وأصبحت هذه الصفقة بمثابة كوابيس تؤرق كل المهتمين بالشأن السياسي في المنطقة العربية والإقليمية كل حسب توجهاته ورؤيته. فالفلسطينيون يخشون من تصفية القضية الفلسطينية وخاصة في ظل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة الاحتلال، والشعوب العربية تخشى من ضياع الحقوق العربية خاصة في الجولان ومزارع شبعا بعد الوثيقة الأمريكية بأن الجولان أراض إسرائيلية، وأيضا الخشية من نجاح الاحتلال في تحقيق ما عجز عن تحقيقه خلال سبعين عاما من احتلال فلسطين في أن يكون دولة طبيعية في المنطقة من خلال تهافت الأنظمة العربية على تطبيع العلاقات مع الاحتلال، وهناك على الجانب الآخر من يؤرقهم تطور النفوذ الإيراني في المنطقة ويؤيدون الصفقة باعتبارها تضمن لهم حلفاء أقوياء لأمريكا و(إسرائيل) في مواجهة الأخطار الايرانية التي تهدد وجودهم، و ثالث هامشي يتطلع لدور محوري في المنطقة و يسعى ليحظى بمنزلة إقليمية متقدمة تضمن له مصالحه السياسية والاقتصادية وتخدمها.
ولكني أعتقد وكل متابع لما يحدث على أرض الواقع أن ما يتم بشكل استراتيجي وممنهج هو إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، للحد من التدخل الروسي الصيني الإيراني في المنطقة، ويداري سوأة الفشل الأمريكي الذريع في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، فأمريكا لم تحقق أيا من أهدافها التي أعلنتها لشن الحرب في أي مكان.
إن ما تم تنفيذه من صفقة القرن حتى اللحظة ما هو إلا استكمال للسياسة الأمريكية المتبعة في المنطقة العربية منذ القدم، ولم يأت ترامب بما هو لافت لكن المختلف أن شخصية ترامب غير المتوازنة حسب رأي الكثيرين، جعلته أكثر جرأة بأن حولت هذه السياسة السرية الناعمة إلى العلنية الفجة.
وربما ضعفنا العربي وقلة حيلتنا وأنظمتنا المهترئة هي السبب الرئيسي في تبني ترامب لهذه المواقف دون خجل أو وجل، فما الذي تم تنفيذه من صفقة القرن.
إن كل ما تم تسريبه حتى اللحظة من صفقة القرن تم وبكل دقة، تم الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، والاعتراف بالجولان السورية أراضي إسرائيلية، والتطبيع يجري على قدم وساق، وما لوح به نتنياهو من ضم الضفة المحتلة قادم بعد الانتهاء من تشكيل نتنياهو وحكومته.
اذن ما هو الجديد الذي سيتم الإعلان عنه عند الإعلان عن الصفقة؟ فقط ما سيتم الإعلان عنه أننا أعدنا تشكيل المنطقة ضمن الأهداف الإسرائيلية في التوسع وإحكام السيطرة على المنطقة كقوة أمريكية متقدمة تمنع أي نفوذ آخر في المنطقة.
أما كيف نواجه هذه الصفقة؟ فكل ما سبق يؤكد أننا أمام خطة استراتيجية يجب مجابهتها بخطة استراتيجية يتم تنفيذها فورا وبكل الإمكانيات، من خلال الربط والموازنة والاستمرار والبعد عن الموسمية في تفعيل كل الملفات من ملف المقاومة وبكل أشكالها كحق كفله القانون الدولي وخاصة في مناطق التماس القدس والضفة المحتلة محور الصفقة، وملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة لانتهاكهم كل معايير حقوق الإنسان، ومناهضة التطبيع و توعية الشعوب العربية بمخاطره، وتحسين العلاقات مع دول العالم ومخاطبتها بالحق الفلسطيني ورفض صفقة القرن، و محور الممانعة الرافض للاحتلال الاسرائيلي ولتصفية القضية الفلسطينية والعمل على زيادة التنسيق المشترك.