ما فائدة القرارات الدولية إن كانت بلا إقدامٍ ولا أقدام، أو في أحسن الأحوال كانت تمشي حافية القدمين، وما فائدة الابتسامات الدولية التي تنثرها المؤسسات الدولية في فضاء الكون طالما أنها لا تسوق القاتل إلى حيث العدالة، وما فائدة المصطلحات الفضفاضة التي تحمل أكثر من معنى وتلبس أكثر من قناع رغم أن حرارة المشهد تستدعى الوضوح في القول والفعل لنصرة صاحب الحق قبل أن يصبح نسيًا منسيًا، وماذا نفعل بتقرير يتبع تقرير وبقرار يتلوه قرار والمجازر مستمرة؟
من جديد يطل علينا تقرير لجنة التحقيق الدولية بمسيرات العودة ليغرد بأن (انتهاكات قوات الاحتلال بحق مسيرات العودة قد ترقى لمستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وأن استمرار دولة الاحتلال في استهداف المدنيين الذين يمارسون حقهم في التظاهر السلمي، أو خلال عملهم الإنساني، هو انتهاكٌ خطيرٌ لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومخالف لميثاق روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية جنيف الرابعة) يا لروعة القوانين والمواثيق الدولية، لكن هذه الروعة تبقي ناقصة طالما أنها لم تأخذ للضعيف حقه من القوي، فما تم الوصول إليه هو أمر لا يحتاج لعبقرية في وصفه وتشخيصه، ولا غرابة لو قلتُ بأن هذا يعرفه أصغر طفل في فلسطين.
من يقرأ التقرير ويدقق فيه من حيث اللغة يجد أن كلمة "قد ترقي" جاءت بصيغة المضارع، والمعروف في اللغة بأن " قد" لو جاء بعدها فعل ماضي فإنها تفيد التأكيد، بينما لو جاء بعدها فعل مضارع فإنها تفيد التشكيك، كما هو الحال في هذا القرار، وهذا يؤكد أن الكثير من العرب يقعون ضحية سوء تفسير المصطلحات وفهمهما، فيبدأ المخدوعين بالمنظمات الدولية أو المجبورين على ذلك بالترويج بأن هذا القرار هو انتصار للحق الفلسطيني.
هذا الترويج هو تعبير عن ضعف في التعامل مع الاحتلال والنوم في حضن القرارات الدولية بزعم احترامه لها، رغم أن الواقع والوقائع تشير إلى أن قرارات دولية لا حصر لها صدرت تؤكد الحق الفلسطيني وتدين الغطرسة الصهيونية لكنها بقيت حبيسة الأدراج، وهذا يدفعني للقول بأن هذه القرارات تدخل في حالة تعاطف فقط و تفريغ انفعالي للدول المساندة للحق الفلسطيني ما دام أن من بيده الحل والعقد ينظر لأفعال الاحتلال على أنها دفاعٌ عن النفس.
ادعى معدو التقرير أنهم موضوعيون من خلال القول بأن (وجدت اللجنة أن بعض أعضاء اللجنة الوطنية العليا المنظمة للاحتجاجات، ومن بينهم ممثلون عن حركة حماس، شجعوا أو دافعوا عن استخدام المتظاهرين العشوائي للطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وقد أدى ذلك إلى إثارة الخوف بين المدنيين الإسرائيليين وإلحاق دمار كبير بالممتلكات في جنوب إسرائيل) وهذا عذر أقبح من ذنب، إذ كيف يمكن المساواة بين أضرار بشرية فادحة وبين أضرار غير بشرية غير فادحة؟ وما معنى الاستخدام العشوائي للطائرات الورقية؟ هل توقعوا أن نهديهم عبر الطائرات الورقية أزهار وأمنياتنا لهم بالسعادة؟ ونسوا أن صاروخ واحد من طائرة صهيونية كقيل بإزالة حي كامل عن وجه الأرض؟
إن من يرى في هذه القرارات أنها خطوة ايجابية ويركن لذلك دون أن يبذل جهدًا واسعًا في كل الاتجاهات والمجالات، عليه أن يعرف -ولا أظنه يجهل- بأن الاحتلال لا يحترم من يقدم له وردة بعد كل جريمة يقترفها بحق الشعب الفلسطيني، ولا يكترث للخطابات الناعمة المستجدية، بل إنه يهاب أولى البأس الشديد والقوة، ولنا في تجارب التاريخ العظات والعبر بأنه ما من شيء أخذ بالقوة ورجع بغيرها.