"بعض اللقاءات تحيي القلب وتشحذ الهمة؛ لكن سرعان ما يمضى الوقت بدقات القلب، وتبقى كلماته تجول بخاطري أيامًا"؛ مشاعر تنطق بها منى أبو بكر زوجة الأسير الصحفي بسام السايح.
وتلعثمت أبو بكر، خجلًا، خلال حديثها عن اللقاء الأخير الذي جمعها بزوجها الصحفي "السايح" في أيار (مايو) 2018م، وهو أسير في سجن "جلبوع" الاحتلالي، قائلة: "تفاجأت عندما سُمح لنا بالتقاط صورة؛ فكانت صدمة سعيدة لي، وكانت مفاجأة من بسام الذي لم يخبرني عنها من قبل".
وتبين في حديث إلى صحيفة "فلسطين" أنه بعد قرار السماح لزوجات الأسرى بالتقاط الصورة معهم، قدم "السايح" الطلب لإدارة السجن، وجاءت الموافقة، في تلك الزيارة.
وتذكر بعضًا من "كواليس" ذلك الموقف بقولها: "لم أصدق نفسي وقتها، فكانت المفاجأة رائعة، فعادة أزور بسام مع أهله، لكن تلك المرة ذهبت وحدي، فكانت المفاجأة رائعة، وما زلت أذكرها وأبتسم".
وتضيف: "التقيت بسام بعد أشهر من المنع، فأخرجتني مجندة احتلالية من مكان الزيارة ومشيت وخرجت من غرفة إلى أخرى، وتوقفت المجندة، وإذا باب الغرفة يفتح وبسام قادم، والابتسامة والفرحة تكادان تقفزان من عينيه".
وتهمس قائلة: "صافحني وقبلت يديه، كانت دقائق قليلة التي يسمح فيها بالتقاط الصورة، لكنها كانت وكأنها مائة عام، تدفق خلالها سيل كبير من المشاعر والنظرات والهمسات بيننا".
"قال لي: (اقرصيني لأصدق، أنا صاحي أو بحلم)، كانت اللحظة رائعة جدًّا" –تكمل- "لكن الوقت سرعان ما مر دون أن نشعر به والتقطت الصورة التي أضعها بالقرب مني وأنظر إليها باستمرار وأتذكر أجمل اللحظات التي عشتها وأنا بالقرب من بسام".
وأسر الاحتلال السايح خلال حضوره إحدى جلسات محاكمة زوجته في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2015م، وحكم عليه بالسجن مؤبدين و30 سنة، بدعوى التخطيط والتمويل لعملية "إيتمار" الفدائية، التي أدت إلى مقتل ضابط احتياط بوحدة هيئة أركان الاحتلال الخاصة وزوجته، وهي ابنة ضابط كبير بوحدة هيئة الأركان.
والأسير السايح من سكان مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، ولد في 1973م، وترعرعفي مساجدها وكان معروفًا لدى الجميع بالتزامه، وطيب قلبه وأخلاقه، ثم انطلق إلى أولى مراحل حياته العلمية بمدارس المدينة، والتحق بعدها بجامعة النجاح الوطنية لدراسة العلوم السياسية والصحافة، وفق قول زوجته.
إصابته بالمرض
وتبين أبو بكر أن زوجها أصيب بسرطان العظم خلال اعتقاله لدى جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في الضفة الغربية سنة 2011م، مشيرة إلى أن أحد أطباء السلطة اتصل بالعائلة وأبلغها بضرورة الحضور للمستشفى الوطني بالضفة الغربية، لتسلم بسام هناك وإطلاعها على إصابته بذلك المرض.
وبعد أعوام من تنقل الأسير السايح بين المستشفيات لتلقي العلاج اللازم -وفقًا لما تذكره- اكتشفت إصابته بسرطان الدم في مراحله الأخيرة، فخضع للعلاج الكيميائي، ما أدى إلى قصور حاد في عضلة القلب، وهشاشة في العظام، والتهاب رئوي مزمن.
وتؤكد أن زوجها حدثت له انتكاسة صحية بعد اعتقال قوات الاحتلال له، بسبب التحقيق العسكري القاسي معه، ما أدى إلى تدهور أوضاعه الصحية، مشيرة إلى أنه بعد عام من اعتقاله بسبب سوء أوضاعه الصحية خضع لعملية جراحية لزراعة نابضة قلبية.
وتتوقف أبو بكر عن الحديث ثواني معدودة قبل أن تتابع حديثها: "حدث لبسام أكثر من انتكاسة صحية بسبب ظروف الاعتقال وعدم مناسبتها لحالته مريضًا"، لافتة إلى إجراء عمليتين جراحيتين له بداية العام الجاري: الأولى في ظهره لسحب السوائل الزائدة من جسده، والأخرى عملية قسطرة قلبية بسبب الإهمال الطبي لحالته.
ويمنع الاحتلال زوجته من الزيارة دون إبداء الأسباب ويقصرها على شقيقته، وتشير إلى أن آخر مرة زارته كانت في أيار (مايو) 2018م، موضحة أنها بعد أن تمكنت من استخراج تصريح للزيارة في شباط (فبراير) الماضي عند وصولها إلى السجن طلب منها العودة.
ولم تشفع الأمراض التي أصابت بسام السايح لدى الاحتلال لإطلاق سراحه، بل إنه يعاني سياسة الإهمال الطبي لحالته، والمنع من الزيارة، كما غيره من الأسرى الفلسطينيين القابعين خلف قضبان الاحتلال، البالغ عددهم نحو 5700 أسير، منهم 17 صحفيًّا، وفقًا لإحصاءات هيئة شؤون الأسرى والمحررين.