حالة من الفلتان والاستهتار بأرواح الآمنين في بيوتهم ومحلاتهم وممتلكاتهم، وترويع للأطفال والنساء بإطلاق الأعيرة النارية والمولوتوف والحجارة على البيوت، شهدتها أمس قرية جفنا شمال مدينة رام الله ممن سموهم الأهالي "رعاعًا منفلتين يفتقرون للحس الوطني وعلى رأسهم إحدى الشخصيات الاعتبارية المتنفذة بمحافظة رام الله".
هذا ما ورد في بيان أصدره أهالي القرية تحت اسم "مناشدة بيان شجب واستنكار"، مقدمًا إلى رئيس الحكومة برم الله محمد اشتية، للوقوف على اعتداءات قادها أحد متنفذي فتح الليلة الماضية بحق الأهالي، مشتكين من هذه الاعتداءات التي تهدد السلم الأهلي وحياة الناس في المنطقة على يد مسلحين متنفذين من حركة فتح.
وفي التفاصيل، فإنَّ القصة بدأت عندما لجأت إحدى نساء القرية للشرطة والقانون، لحمايتها من اعتداء تعرضت له في أثناء قيادتها سيارتها في الشارع العام، لدى عودة أطفالها من المدرسة، وأوقفت المباحث المعتدي للتحقيق، الأمر الذي أثار نقمة والده وعائلته، حسب البيان.
وتضمنت الاعتداءات التي قادها أحد رجال الأعمال -شغل منصب رئيس الغرفة التجارية في رام الله سابقًا، وكان أحد المرشحين لانتخابات المجلس الثوري لحركة فتح عام 2016- بحق أهالي القرية، ألفاظًا نابية وعنصرية وطائفية.
وأكدت محافِظة رام الله، ليلى غنام، رفض الاعتداءات والممارسات التي ينفذها أفراد أجهزة أمن السلطة بحق أهالي جفنا، وقالت: إنه سيتم التعامل مع الجناة بأعلى درجات الضبط وفقا للقانون، مشددة على رفض المساس بكرامة أو أمن أو سلامة أحد.
وجفنا هي قرية فلسطينية تقع على بعد كيلومتر ونصف إلى الشرق من مدينة بيرزيت وعلى الطريق منها إلى عين سينيا. يبلغ عدد سكانها حوالي 2000 نسمة، وحوالي 400 في المهجر، وتبلغ مساحة أراضيها قرابة 11,000 دونم.
رئيس مجلس قروي جفنا أمجد عواد عدّ أي اعتداء على أي بيت مس بالقرية كلها، مبينًا أن الاعتداء تم على خلفية حادث سير بين سيدة من القرية ورجل آخر، فقام الأخير بجلب مسلحين للقرية كي تتنازل السيدة عن حقها.
وأشار عواد في تصريح مقتضب لصحيفة "فلسطين" إلى أن الحادثة انتهت بعد تدخل من جهات عليا في السلطة، وأنه جرى ضبط وتوقيف المتسببين في الاعتداء.
فلتان أمني
وأضح الكتاب السياسي ساري عرابي، أن الاعتداءات والفلتان ظاهرة مقلقة للمواطنين الفلسطينيين، كون أحد أهم أدوار السلطة والمنظومة الأمنية اشعار المواطن بالأمن والاستقرار، وجود منظمة قضائية تحافظ عليه وترد حقه.
وأضاف عرابي لصحيفة "فلسطين" أن تكاثر المظاهر المسلحة خارج سياق القانون، ومقاومة الاحتلال، مؤشر خطير على نوع من التردي في الحالة الأمنية والمجتمعية الفلسطينية، كون الأجهزة الأمنية غير قادرة على ضبط عناصرها.
وبين أن ما حدث في "جفنا" يحتاج إلى فحص، سيما بعد تكرار حوادث إطلاق النار في الهواء من قبل عناصر بفتح خلال الانتخابات الطلابية، مبينًا أن احتكار فصيل سياسي لاستخدام السلاح يتيح الفرص لاستخدامه في الشجارات العائلية والمجتمعية.
ورأى عرابي أن التسيب والفلتان في محافظات الضفة بحاجة إلى حسم استخدام القانون، وصرامة في التعامل مع بعض الظواهر والحوادث.
ولفت إلى أن حالة الاحتقان الموجودة بالضفة ناتجة عن انسداد الأفق السياسي، كونها باتت مهددة بالاعتراف الأمريكي بسيادة الاحتلال على المستوطنات الكبرى بالضفة، فضلا عن أزمة رواتب السلطة، عادًا تكرار ظواهر الاعتداءات على المواطنين إخلالاً بالمنظومة القضائية والأمنية تحرج السلطة.
غضب داخلي
ويخشى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، انتشار ظاهرة أخذ القانون باليد حينما تغيب سلطة القانون، والاستقواء بالعناصر الأمنية.
ويرى عساف في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن تعدد حالات القتل بيد أفراد ينتمون لأجهزة أمن السلطة وحركة فتح ضد المواطنين بالضفة في الأشهر الأخيرة، يعكس حالة سياسية "بائسة" لا تركز على مواجهة الاحتلال، ما أدى إلى تنفيس المواطنين لغضبهم داخليًّا وظاهرة الفلتان الأمني، وليس بمواجهة الاحتلال.
وقال: "أخذ القانون باليد يعكس غيابًا لتطبيق العدالة القضائية، ويدلل على وجود حالة احتقان، في ظل غياب الرادع"، معتقدًا أنه لا توجد عملية محاسبة للفاعلين ومسببي هذه الاعتداءات ضد المواطنين، وأن المطلوب إدراك الجميع أن الصراع الأساسي مع الاحتلال، وأن الأجهزة الأمنية موجودة لخدمة المواطن.