فلسطين أون لاين

المجتمع الدولي يتجاهل القوانين العنصرية ...

تقرير خبراء يحذرون: تشريعات الاحتلال المتلاحقة تمهد لإبادة قانونية وتهجير قسري للفلسطينيين

...
الكنيست الإسرائيلي
غزة- الناصرة/ علي البطة:

منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش كيان الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أكثر مراحله اضطرابا سياسيا وأمنيا، في ظل حرب واسعة على قطاع غزة وتوترات داخلية غير مسبوقة. هذا المناخ الاستثنائي لم ينعكس فقط على السياسات العسكرية، بل فتح الباب أمام موجة تشريعات مكثفة داخل الكنيست، أعادت رسم المشهد القانوني الناظم للعلاقة بين دولة الاحتلال والفلسطينيين في أراضي ال48.

فخلال عامين من حرب الإبادة، تحول التشريع إلى أداة مركزية لإدارة الصراع، حيث جرى تمرير عشرات القوانين تحت عناوين أمنية مختلفة، لكن أثرها العملي تجاوز حدود الطوارئ المؤقتة، ليطال أسس الحقوق والمواطنة والحريات. ومع تراكب هذه القوانين، بات واضحا أن إسرائيل لا تتعامل مع حالة استثنائية عابرة، بل مع مسار تشريعي يعيد إنتاج التمييز بوصفه قاعدة قانونية دائمة.

تشريعات ليست طارئة

في قراءته لهذا التحول يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية طلعت الخطيب أن التشريعات التي سنها الكنيست منذ 2023 لا يمكن فهمها كإجراءات مؤقتة فرضتها ظروف الحرب، بل كحزمة قانونية مؤسسية ترسخ فصلا منظما في الحقوق والحوكمة بين اليهود ومجتمعات فلسطينية خاضعة لسيطرة الاحتلال.

ويؤكد الخطيب لصحيفة "فلسطين"، أن ما يجري هو امتداد لمسار تشريعي سابق، بدأ قبل سنوات عبر قوانين ذات طابع دستوري وإثني، لكنه تسارع وتكدس بعد 2023 بشكل جعل التغيير بنيويا. فالبنى القانونية، حين تتراكم، تنتج واقعا دائما يصعب تفكيكه لاحقا.

تبرير هذه القوانين بذريعة "الأمن" لا يصمد، بحسب الخطيب، أمام أثرها العملي. إذ يجري تطبيق قوانين مدنية كاملة على اليهود، مقابل إخضاع الفلسطينيين لمنظومات عسكرية وإدارية، خصوصا في الضفة الغربية، مع فرض قيود شاملة على غزة، ما يخلق فصلا هيكليا في الحقوق الأساسية.

هذا الفصل يطال حرية التنقل، والحماية القانونية، والوصول إلى الخدمات، ويحول الفوارق القانونية إلى واقع يومي دائم، لا يمكن معالجته بإجراءات استثنائية مؤقتة، لأنه بات جزءا من النظام القانوني نفسه.

يشير الخطيب إلى تعديلات تسهل سحب أو تجميد الإقامة، ومنع العودة، وحرمان فئات فلسطينية من الحقوق المدنية لأسباب أمنية أو إدارية، ما يمس مباشرة بالوجود والسيادة السكانية في مناطق معيّنة، ويعيد تشكيل التوازن الديموغرافي قسرا.

كما يلفت إلى أن القوانين الداعمة للتوسع الاستيطاني، من تسريع التراخيص إلى مصادرة الأراضي وعرقلة البناء الفلسطيني، تترجم عمليا إلى ضم فعلي، وتكريس فصل جغرافي وقانوني بين المجتمعات المختلفة.

ويحذر الخبير في الشؤون الإسرائيلية، من أن توسيع العقوبات الجماعية، ومعاقبة الأسر، وتجميد الأصول، وتقييد العمل المدني، مع إضعاف استقلال القضاء وآليات الرقابة، يحول هذه التشريعات إلى أدوات تمييز مؤسسي دائم، لا إلى تدابير أمنية عابرة.

ويوثق تقرير صادر عن مركز "عدالة" أكثر من 30 قانونا تمييزيا بين 7 أكتوبر 2023 ويوليو 2025، ما يرفع عدد القوانين التمييزية إلى نحو 100 قانون منذ تأسيس الكنيست.

يشمل هذا السيل التشريعي مجالات حرية التعبير والفكر والاحتجاج، والمواطنة ولم الشمل، والحقوق الاجتماعية، والتعليم، وحقوق الأسرى، وهي مجالات تمس جوهر الحقوق الإنسانية الأساسية للفلسطينيين.

ورغم أن هذه القوانين تصاغ غالبا بلغة "محايدة" ظاهريا، إلا أن سياقها التشريعي وتطبيقها العملي يكشفان استهدافا ممنهجا للفلسطينيين، بما يرسخ نظاما قانونيا مزدوجا يمنح امتيازات لليهود وينتهك حقوق غيرهم.

يربط التقرير الحقوقي هذه التشريعات مباشرة بقانون "إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي" لعام 2018، الذي ينص على حق حصري لليهود في تقرير المصير، ويشكل المرجعية الدستورية التي تترجم اليوم إلى قوانين تفصيلية.

الفكر تحت التجريم

أورلي نوي، رئيسة الهيئة التنفيذية في منظمة "بتسيلم" تقدم قراءة نقدية تعتبر أن هذه القوانين تعبر عن انتقال (إسرائيل) من تآكل ديمقراطي تدريجي إلى "فاشية قانونية معلنة"، مستفيدة من فوضى الحرب وتراجع الرقابة المجتمعية.

تسلط نوي في مقال صحفي، الضوء على قوانين تستهدف حرية الفكر والتعبير، أبرزها تجريم "إنكار أحداث السابع من أكتوبر"، وهو قانون لا يميز بين التحريض على العنف والتعبير عن موقف سياسي نقدي أو التشكيك في الرواية الرسمية.

وترى أن أخطر التشريعات هو تجريم "الاستهلاك المنهجي والمستمر" لمنشورات تصنفها دولة الاحتلال "إرهابية"، لأن تطبيقه يستلزم مراقبة رقمية شاملة، ما يشكل انتهاكا غير مسبوق للخصوصية والحريات.

 وتردف، غموض تعريف "الاستهلاك المكثف" يجعل أي نشاط رقمي للفلسطينيين قابلا للتجريم، ويحول الفضاء الخاص إلى ساحة اتهام، في سابقة قانونية تستهدف الوعي لا السلوك.

كما تشير نوي إلى قوانين "ترحيل عائلات الإرهابيين" التي توسع تعريف الإرهاب ليشمل المحتجزين إداريا دون إدانة، وتشرعن العقاب الجماعي بوصفه إجراء قانونيا.

وترى أن دعم بعض أحزاب المعارضة اليهودية لهذه القوانين، وغياب احتجاجات واسعة ضدها، يفضح زيف شعار "الديمقراطية"، ويكرس عمليا مفهوم "الديمقراطية لليهود فقط".

نزع الشخصية القانونية

من زاوية قانونية دولية، يرى غاندي ربعي، رئيس مجموعة الحق والقانون، أن كثافة هذه التشريعات تعكس إصرارا إسرائيليا على تجريد الفلسطيني من شخصيته القانونية، وتحويله إلى كيان بلا حقوق.

ويؤكد ربعي، لـ"فلسطين"، أن هذه القوانين لا تنظر إلى الفلسطيني كمواطن في أرضه أو كشخص واقع تحت احتلال، بل كساكن طارئ يمكن تقييد وجوده ودفعه نحو الهجرة عبر التضييق المعيشي والقانوني.

بحسب القانوني الفلسطيني، فإن صمت المجتمع الدولي عن هذه التشريعات الخطيرة يشكل مشاركة غير مباشرة في السلوك الإسرائيلي، ويقوض منظومة القانون الدولي التي يفترض أن تحمي الشعوب الواقعة تحت الاحتلال.

عمليا، تؤدي هذه التشريعا وفق ربعي، إلى توحيد أدوات القمع القانونية ضد الفلسطينيين كافة، في أراضي ال48، وفي الضفة وغزة، عبر استخدام "الأمن" كذريعة جامعة لتقليص الحقوق على اختلاف أوضاعهم القانونية.

وتنعكس هذه السياسات مباشرة على الحياة اليومية، من تقييد التعليم والعمل ولم الشمل، إلى تحويل الحقوق الأساسية إلى امتيازات مشروطة، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والوجود طويل الأمد، بحسب ربعي.

ويتابع، على الصعيد الدولي، تعزز هذه القوانين الاتهامات بانتهاك القانون الدولي، وتزود مسارات المساءلة القضائية بأدلة تشريعية على نظام تمييزي ممنهج.

تحول يعيد صياغة العلاقة

ويقول، إن المؤشرات جميعها تدل على تحول دستوري طويل المدى، تعاد فيه صياغة طبيعة دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلاقتها بالفلسطينيين، ليس عبر الاحتلال العسكري فقط، بل من خلال نصوص قانونية دائمة.

في هذا السياق، يشدد الخبراء على أنه لا يمكن فصل التشريع عن الإبادة في غزة، فكلاهما يعملان كأداتين متكاملتين لإزالة القيود عن القوة الإسرائيلية، وتوسيع السيطرة على الإنسان والأرض.

ويؤكدوا أن ما يجري ليس تشددا ظرفيا، بل مشروع قانوني متكامل يهدف إلى إعادة تعريف الفلسطيني خارج دائرة الحقوق، وترسيخ فصل عنصري مقنع بالقانون.

المصدر / فلسطين أون لاين