من كان رأس ماله "علم" فلن يضل ولن يشقى، فالعلم يبني بيوتاً لا عماد لها، وعلى هذا النهج سار الشعب الفلسطيني منذ النكبة، حيث يشهد الكثيرون بأن أقل نسبة أمية هي في فلسطين بالمقارنة مع غيرها من الدول، ولقد حاول الاحتلال الصهيوني إشغال الشعب الفلسطيني عن الاهتمام بالتعليم، "فلم ينل خيراً" وأذكر شخصياً أنه في فترة الانتفاضة الأولى1987_1994 كنتُ في المرحلة الابتدائية، فلم يكد يمر شهر إلا ويُغلق الاحتلال المدارس، أو يعتقل المدرسين حتى يُحدث شللاً في المسيرة التعليمية، لكننا كنا نلجأ للدراسة في المساجد كي لا تفوتنا الدروس.
إن خوف الاحتلال من ارتفاع نسبة التعليم بين الفلسطينيين مرده إلى قناعة راسخة لديه بأن الشعب الذي سيتعلم سيبدع في تعزيز الوعي في نفوس أبنائه، وسيغرس فيهم حب الوطن وستعلو همته في الحياة حتى ينال مراده بالتحرير.
هنا سأتحدث عن حدثين مهمين حدثا في غزة حيث الحصار يطبق أنيابه على كل مناحي الحياة محاولاً إبعاد الناس عن القراءة والعلم:
الحدث الأول : فوز طالبة فلسطينية من غزة بالمركز الثاني على مستوى فلسطين والمركز الأول على مستوى قطاع غزة بمسابقة تحدي القراءة العربي، البرنامج الشهير الذي يتم تنظيمه في دولة الإمارات، والذي تقوم فكرته على تلخيص (50) كتابًا من تخصصات مختلفة، وهذا ليس بجديد، فمن يتابع المسابقات الدولية والعربية يجد أن لأهل فلسطين نصيبا وافرا منها، وهذا دليل على حيويةالشخصية الفلسطينية المثابرة.
وقد قدر الله لي أن أتعرف على الطالبة التي حصلت على المرتبة الأولى على قطاع غزة والثانية على فلسطين وهي الطالبة سعاد السباخي الطالبة في الثانية الثانوية من مدرسة"مريم فرحات الثانوية للبنات" بمحافظة رفح، وحين جلست معها في المدرسة دار بيننا حديث حول القراءة وكيف تقرأ؟ أعجبتني جداً إجابتها.
لم تكن سعاد الوحيدة من مدرستها التي حصلت على جوائز عديدة، فثمة طالبة اسمها "ظريفة أبو قورة" حصلت على جوائز محلية فقد حصلت على المركز الثاني على مستوى القطاع في مسابقة تاج المعرفة التي تعدها وزارة التعليم الفلسطينية.
الحدث الثاني: هو تنظيم وزارة الثقافة الفلسطينية بغزة معرض الكتاب وهذا المعرض يأتي في أصعب الظروف التي تعيشها غزة وأهلها وهو ردٌّ قويٌ على من يريد إشغال غزة بالبحث عن رغيف الخبز، وترك أي شيء آخر له علاقة بالنهضة الفكرية أو العلمية.
وإن ما ميّز معرض الكتاب هذا العام هو وجود اصدارات فلسطينية لكتاب فلسطينيين وخاصة من غزة، وهذا يؤكد أنه برغم المآسي في غزة فإن كتابها وشعرائها ومثقفيها يبدعون في تحويل المحنة إلى منحة، فوثقوا بأقلامهم مآسي غزة، وبطولاتها التي يفخر بها كل حر شريف وصبرها على التعب والشدة، لتصل أفكارهم وآلامهم وآمالهم لكل الدنيا وللأجيال التي ستأتي بعدنا.
يبقى القول واجب: إن الشعب الفلسطيني يدرك تمام الإدراك قولاً وفعلاً، بأن العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيوت العز والكرم، وهو مصمم على العودة إلى بلاده وفي عقول أبنائه مفاتيح النهضة.