لو كانت منظمة التحرير الفلسطينية طليقة اليدين، لو كانت حرة الحركة والفعل، وليست أسيرة خلف قضبان اتفاقية أوسلو، وقعيدة المقاطعة، لكانت هي الأجدر بمواجهة صفقة القرن، وتأطير القوى السياسية الفلسطينية والعربية خلف الفعل القادر على عرقلة صفقة القرن، والتصدي للمؤامرة التي تحاك ضد القضية العربية بشكل عام، والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
لقد جاءت فكرة الهيئة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن متأخرة نسبياً، ولا سيما أن المؤامرة قد تم تنفيذ بعض مخرجاتها على أرض الواقع، كما عبر عن ذلك السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، الأب الروحي لصفقة القرن، حين قال: "تتعامل أمريكا مع النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفق ما هو قائم على أرض الواقع"، وإذا كان القائم على أرض الواقع لا يخدم القضية العربية، فالواجب يقضي بأن يتحرك هذا الواقع الآسن، وأن تتغير معطياته لصالح العرب، وهذا لا يتحقق إلا بإلقاء الحجر الذي يرسم دوائر السؤال في بركة الأمن، ويثير غبار الفوضى المنظمة القادر على إرباك المشهد الهادئ، لتكون الحركة ضد السكون، والفعل في مواجهة الصمت، والانطلاق بديلاً لانتظار، لتحطم رياح التغيير سنوات الملح التي اطمأن فيها الغزاة على أمنهم فوق أرض الضفة الغربية، وراحوا يطبقون على أرض الواقع أطماعهم.
الهيئة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن، فكرة لا يجب أن يلتقي على ضفافها كل من شارك في الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة فقط، ولا من شارك في غرفة العمليات المشتركة فقط، هذه الهيئة يجب أن تكون عربية المواصفات والمشاركات قبل أن تكون فلسطينية الأهداف، يجب أن يشارك فيها الأردن شعباً، ولبنان مقاومة، وسوريا تنظيمات، ومصر حضارة، والعرب جميعهم، ومن خلفهم كل رافض للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على مقدرات الشعوب، ويجب أن تكون قيادة الهيئة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن بعيدة عن السطوة الإسرائيلية، ولا تخشى الحسابات الأمريكية، ولا تطمع بالأموال العربية الملوثة بالتطبيع مع الصهاينة، ويجب أن تكون أقرب إلى الشارع منها إلى المستوى الرسمي، وأقرب إلى الفعل منها إلى الكلام، وأقرب إلى الوحدة منها إلى التمزيق، وأن تكون محط أنظار وأحلام الشباب الباحث عن حرية وطن، فإذا دعت قيادة الهيئة إلى ساعة اعتصام أو إضراب جزئي في ساحات المدن الكبرى يكون الصدى غضباً في شوارع عمان ورام الله وبيروت وغزة وغيرها من فضاءات المواجهة.
وكي تحقق الهيئة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن أهدافها، فإن أولويات واجباتها التواصل مع كل القوى السياسية والوطنية في المنطقة العربية، والعمل على نظمها في خيط الموقف الموحد ضد الاحتلال وضد تهويد المقدسات، وضد الممارسات الصهيونية العبثية في المنطقة العربية، وهذا ما يلتقي عليه الشامي والمغربي، وتنضم إليه كل مؤسسات المجتمع المدني في الشرق والغرب، وكل النقابات والمؤسسات والكفاءات والفعاليات الشعبية والإعلامية القادرة على خلق مزاج عربي موحد، يتحرك على الأرض في وقت واحد، بخطوات وحدوية جريئة متدرجة، تبدأ بوقفه قصيرة يرفع فيها علم فلسطين في الميادين، ولا تقف في مراحل لاحقة عند حدود الاعتصام الجماهيري والغضب الشعبي في الميادين.