فلسطين أون لاين

​الضفّة ضحية التسوية الأمريكية

...
عاصم عبد الخالق

لا يوجد أفضل من الظرف التاريخي الراهن لتنفيذ جريمة ضم الضفة إلى (إسرائيل)، وهو الوعد الذي قطعه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على نفسه خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.

وبعد نجاحه باتت الفرص مهيأة لتحقيق هذا الحلم القديم المشحون بأساطير توراتية، وأطماع استعمارية، ومعزز بأمر واقع يقول: إن (إسرائيل) قد التهمت الضفة بالفعل مرة من خلال الاحتلال العسكري وأخرى عبر زرعها بالمستوطنات وتقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية.

الآن وليس غداً هو الموعد الأنسب. فلن تجد (إسرائيل) صديقاً في البيت الأبيض بإخلاص ووفاء الرئيس دونالد ترامب، المتفاني في خدمتها على حساب المصالح والحقوق العربية التي يبدي قدراً هائلاً من التجاهل لها، وعدم الاعتراف بها. ويبدي ترامب أيضاً ازدراءه التام للقانون الدولي الذي يحظر ضم الأراضي بالقوة. لذلك لم يتردد في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وقبله كان اعترف بالقدس المحتلة عاصمة (لإسرائيل) ونقل سفارة بلاده إليها.

قائمة الهدايا التاريخية الثمينة التي قدمها ترامب إلى (إسرائيل) طويلة، وتشمل إضافة إلى القدس والجولان، إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وقطع كل المساعدات المالية والإنسانية عن الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والتخلي عن حل الدولتين، ودعم قانون يهودية الدولة العنصري الذي يحول الفلسطينيين المقيمين داخل حدود 48 إلى مواطنين من الدرجة الثانية.

ومن المؤكد أن ترامب سيشعر بالسعادة عندما يجد هدية جديدة يقدمها ممتناً إلى (إسرائيل)، ولن تكون هناك أفضل ولا أغلى من الضفة الغربية ليعترف بقرار نتنياهو المرتقب بضم أجزاء تصل إلى 60% منها إلى (إسرائيل).

ولأن ترامب تاجر ورجل أعمال ماهر فهو لا يقدم شيئاً من دون مقابل. الثمن الذي يريده هو دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية التي تسانده والتي كانت سبباً رئيسياً في نجاحه في الانتخابات الماضية. هذه القاعدة اليمينية المتشددة تؤيد (إسرائيل) على أساس ديني. بمعنى أنها ترى أن دعم الدولة العبرية فرض على كل مؤمن ملتزم بتعاليم الإنجيل، والعهد القديم. وتمثل هذه الشريحة الانتخابية، مضافاً إليها اليهود المتدينين، أحد الركائز الشعبية التي يحرص ترامب على الاحتفاظ بولائها لإعادة انتخابه بعد عامين.

يفسر هذا لماذا يبدو ترامب سخياً وهو يمنح (إسرائيل) كل ما تطلبه. هذا الكرم الحاتمي ليس مجاناً، ولكن على حساب الحقوق العربية، بينما يحصد هو و(إسرائيل) المكاسب. يضاف إلى هذا وجود توجه عام في (إسرائيل) نحو تبني مواقف وسياسات يمينية متشددة. وقد عكست نتيجة الانتخابات وتوزيع المقاعد في الكنيست هذه الحقيقية. وبالتالي فإن نتنياهو حتى لو تردد في ضم الضفة سيجد من يدفعه من حلفائه في الائتلاف المقبل للأسرع بتنفيذ ما وعد، وإلا فقد أغلبيته البرلمانية. ومع حالة الوهن العربي المزمن لن يجد نتنياهو ولا ترامب مبرراً للتردد في ظل اطمئنانهما الكامل لعدم وجود أي احتمال لرد فعل عربي مؤثر.

الظروف بالتالي تصبح ناضجة لإتمام جريمة القرن، ويصبح السؤال هو متى؟ وليس هل تتم؟ والأرجح أن التوقيت الملائم سيكون بعد إعلان خطة السلام الأمريكية، أي بعد شهر رمضان المبارك، وفقاً لما أعلنت واشنطن، حيث سيكون نتنياهو قد فرغ من تشكيل حكومته الجديدة.

ما من شك في أن الفلسطينيين سيرفضون الخطة لاسيما إذا صح ما تسرب من أنباء عن أنها لا تشمل إقامة دولة فلسطينية. وهنا ستحاول إدارة ترامب الضغط عليهم بالتهديد بالاعتراف بضم (إسرائيل) الوشيك للضفة، بل تشجيعها على القيام بذلك. وإذا أصر الفلسطينيون على الرفض ستكون الأجواء مهيأة لإتمام الجريمة الإسرائيلية والاعتراف الأمريكي بها على أساس أن الفلسطينيين هم من يرفضون السلام، وعليهم أن يتحملوا عواقب ذلك. هذا هو السيناريو الأرجح، ومع ذلك يظل مجرد احتمال، فليس ضرورياً أن يصبح كل ما يريده ترامب ونتنياهو قدراً محتوماً.

الخليج الإماراتيّة