فلسطين أون لاين

​ضرورة بناء إستراتيجية وطنية لمواجهة الصفقة

لم تنتظر إدارة ترامب كثيرًا لتأكيد ما يتسرب في وسائل الإعلام عن صفقة القرن، فبعد ساعتين فقط من تكليف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة، خرج مستشار الرئيس الأمريكي صهره جاريد كوشنر، ليقول أمام حشد من السفراء الأجانب: "إنّ صفقة القرن ستعلَن بعد انتهاء شهر رمضان، في أوائل حزيران (يونيو) المقبل"، كوشنر الذي سبق أن قال إن ترامب أوكل إليه مهمّة تطبيق خطة السلام لم يألُ جهدًا في التأكيد خلال لقائه السفراء في قصر الضيافة الرئاسي المقابل للبيت الأبيض أن تفاصيل الصفقة لم تُكشف إلى العلن بعد، ونفى أنها تتضمن أجزاء من سيناء المصرية، ومع ذلك تشير بعض التسريبات التي نقلتها وكالة (أسوشيتد برس) عن مسؤولين أمريكيين إلى أنها سوف تركز بشدّة على التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وتتألف من عنصرين رئيسين: شق سياسي يتناول القضايا السياسية الجوهرية مثل وضع القدس، وشق اقتصادي يهدف إلى مساعدة الفلسطينيين في تعزيز اقتصادهم، لكنها لن تتضمن إقامة دولة فلسطينية، لكن كوشنير أكد في اجتماعه أن "مقترح ترامب للسلام سيتطلب تنازلات من الجانبين"، في إشارة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

الإدارة الأمريكية التي طرحت نفسها وسيطًا للسلام بدأت أول خطواتها بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إليها، وهو ما أثار ردود فعل عربية ودولية رافضة، ولم تعتبر الإدارة الامريكية من هذا الرفض وتتراجع عن قراراتها المجحفة بحق الفلسطينيين، بل مارست ضغوطات جمة لقبول صفقة القرن بوسائل وطرق شتى، وقد واجه الشعب الفلسطيني أطيافه كافة ذلك بالرفض المطلق، ما أدى إلى تصعيد أمريكي غير مسبوق ضده، إذ أغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وطرد الموظفون فيه، وصدر قرار أمريكي بوقف دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وأوقف الدعم عن مستشفيات مدينة القدس، وهو ما رآه الفلسطينيون مساعي لتصفية القضية الفلسطينية بكل جوانبها.

الحقيقة أن صفقة القرن ولدت ميتة ولا تساوي الحبر الذي كتبت به، لكن ما يؤلم أن بعضًا لا يزال يتحدث عنها وكأنه ترويج للصفقة المزعومة، فإذا كانت الإدارة الأمريكية لم تكشف ماهية الصفقة المذكورة، وأحاطتها بسرية تامة وتكتمت عليها، إذ بات الغموض يكتنفها ويحيط بها من كل جانب، حتى وصل الأمر بنتنياهو نفسه إلى التصريح أنه يتطلع إلى رؤية الخطة المذكورة، حتى إن نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي وجامعة (تل أبيب)، ونشر في تموز 2018م أظهر أن 74٪ من الإسرائيليين يعتقدون أن صفقة القرن محكوم عليها بالفشل.

الغريب أن صائب عريقات الذي تحدث عن تفاصيل صفقة القرن في تقرير سياسي قدمه لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله ذكر في التفاصيل أن الصفقة سوف تشمل ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة إلى (إسرائيل)، وإعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وإبقاء السيطرة الأمنية لـ(إسرائيل)، إلى جانب الاعتراف بـ(إسرائيل) دولة يهودية، مع انسحابات تدريجية لـ(إسرائيل) من مناطق فلسطينية محتلة.

أتساءل: إلى أي حقائق استند أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟!، وهل تحقق من دقة هذه التفاصيل؟!، كذلك لا يمكن تبرئة العرب من المسؤولية عن التجرؤ الأمريكي على الحقوق الفلسطينية؛ فالعرب عارضوا معارضة لفظية من دون الاستعداد لمحاربتها وإسقاطها، وهم قادرون على ذلك، ويملكون أوراقًا سياسية واقتصادية كثيرة، أقلها البترول والانسحاب من مجلس الأمن، الذي أصبح لا ينطبق عليه مصطلح الأمن، وأصبح مجرد مجلس طاعة أوامر أمريكا فقط.

لا يهمنا كثيرًا موعد إعلان الصفقة، بقدر ما يهمنا عدم الامتثال لها وثباتنا على حقوقنا وعدم تقديم أي تنازلات عن ثوابتنا كما يريد منا كوشنير، صحيح أن الرفض الفلسطيني يمثل العقبة الأساسية أمام تمرير الصفقة، لكن موقف الرفض الفلسطيني لن يكون كافيًا لمواجهة "الصفقة"، التي بدأ تنفيذها فعليًّا قبل إعلانها، بقرارات ترامب بشأن القدس، و(أونروا)، وقطع المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، كل ذلك وغيره يجري بالتناغم مع تنفيذ المخطط الإسرائيلي الرامي إلى تهويد القدس وابتلاع الضفة، وتكريس فصل القطاع، بهدف تصفية الحقوق والقضية الفلسطينية.

وهذا يطرح أولوية استعادة الوحدة الوطنية، على أسس الشراكة الوطنية الكاملة، والتمسك بالحقوق الوطنية، وبلورة إستراتيجية نضالية شاملة لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها القضية الفلسطينية، وتجنيد الدعم العربي والدولي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إسقاط "صفقة القرن".