وصفت السياسة الأمريكية بأنها هبلة رغم أنها تلبس بدلة كحلية لردّ عين الحسد، وربطة عنق حمراء نرى فيها الدماء المعلقة بهذه الرقبة، إلا أنها سياسة عرجاء أولا لأنها بشكل فج ووقح تريد تحقيق الأهداف الإسرائيلية الجشعة والمنحرفة دون أن ترى الحق الفلسطيني الجلي الواضح على هذه الأرض، وهبلة لأنها لا تغلف انحرافها وتهورها باتجاه الباطل الإسرائيلي بخطاب فيه شيء من التورية والذكاء ومعسول الكلام كما الادارات السابقة أو الطريقة المعروفة للثعالب وادعاء القوى الاستعمارية لحقوق الانسان ونشر ثقافة الديمقراطية والتمدن والتطور وما إلى ذلك مما أشبعونا منه حد التخمة والتقيؤ.
ومن تجليات هذا الهبل أنهم سموها صفقة مع غياب الطرف الثاني للصفقة وبالتالي هم يصفقون مع أنفسهم فيزرعون بذور الفشل فيها قبل اعلانها، كذلك فإنهم يفصحون عن سياستهم المعروفة بسياسة العصا والجزرة، والجزرة هنا الاغراء بالمال وحجم الدعم الذي يعدون به، هم لا يدركون أن هناك ما لا يقايض بالمال عند شعوب المنطقة خاصة الشعب الفلسطيني وأن أي زعيم يرضى بذلك فسيسقط سقوطًا مدويًّا عند شعبه وسيلفظ الجزرة اللعينة وسيصب جام غضبه على كل من يتقبل الأمر، هناك أساسيات لا يمكن لفلسطيني أن يتقبل العبث والهبل فيهما، القدس واللاجئين والأسرى وتحرير الأرض من الاحتلال والاستيطان.
ومن هبل هذه السياسة أنهم يستشيرون من لا يملك الحق أولا ولا يملك الرأي، ليس لديه إلا يد للمبايعة ولسان للمباركة، لا يمارس السيادة واستقلال القرار في بلده فكيف له أن يسأل أو يناقش أو أن يرتقي إلى مستوى يطالب بسيادة للفلسطيني على أرضه أو ما يتحرر من أرضه، هل يدور في خلده سياسة مستقلة أو كيان مستقل عن الارادة الأمريكية؟ اذا هو يفكر بطريقة مزرعة البقر التي يديرها هو ويتقن حلبها لسيده، تماما عقله عقل قرطوس (راعي المزرعة)، هذا القرطوس الذي يخدم عند رعاة البقر، رعاة البقر يحاورون قراطيسهم في المنطقة فماذا لهذه السياسة أن تنتج سوى الهبل؟
اضافة لذلك فإن الذي يدير هذه العملية رجال غارقون في الصهيونية حتى النخاع وليس هذا فحسب بل غارقون في سياسة عمياء لا ترى في المنطقة إلا الهوان والخور والاستجابة السهلة لما يخططون له، لقد غرتهم عنجهيتهم فلم يروا الوجه الآخر، لم يروا أن سياستهم قابلة للفشل تماما كما حدث في العراق وسوريا واليمن، لقد فشلوا فشلا ذريعا في الصومال على ما في الصومال من فشل لكل شيء، الرعونة الأمريكية وهذا الامعان في قهر الشعوب والدول لم ولن يفضي لأية نتيجة توسم بالنجاح والأمل لشعوب أي منطقة دسوا أنوفهم فيها.
لكن بالمقابل ما المطلوب منا: على الأقل إن نثبت على الرفض المطلق في السر والعلن لهذه السياسة الأمريكية الهبلة، وهذا له ثمن فمواجهة الحمقى أشد من مواجهة العقلاء، ثم لا بد من استعادة الوحدة ولو بحدها الأدنى وهو مواجهة هذه السياسة لأن من شأنها أن لا تبقي ولا تذر من قضيتنا وتذهب بها إلى التصفية النهائية في مزادها السياسي الرخيص والذي لا يرده إلا كل رخيص في هذه المرحلة الصعبة. فالمطلوب بكل بساطة موقف ووحدة على هذا الموقف ثم عمل دؤوب على الصعيد العربي والاسلامي والدولي الذي يري أمريكا بعين مصالحها أن هناك ما تخسره.