لاقى تشكيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حكومةً جديدةً برئاسة محمد اشتية، وسط مقاطعة غالبية الفصائل وخاصة المنضوية تحت جناح منظمة التحرير، رفضًا برلمانيًّا وفصائليًّا واسعًا، باعتبارها حكومة انفصال واستفراد وإقصاء وذات لون واحد، ومعززة للانقسام، وسط مطالبات بتشكيل حكومة وحدة وطنية تلبي تطلعات الفلسطينيين وتجمع شملهم.
وكانت حكومة اشتية قد أدت مساء أول من أمس، اليمين الدستورية أمام عباس بمقر المقاطعة في رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، مع مقاطعة غالبية الفصائل أهمها الجبهتان "الشعبية" و"الديمقراطية"، والمبادرة الوطنية، وحركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي د. أحمد بحر، عدّ تشكيل عباس "منتهي الولاية" حكومة برئاسة اشتية "مخالفةً دستوريةً ووطنيةً وأخلاقيةً وقانونية، وتكريسًا لمنهج الاستقصاء والانفراد الذي يمارسه، ومحاولة منه لخطف الشرعية الفلسطينية؛ تمهيدًا لتمرير مخططات دولية وإقليمية باسم الشعب الفلسطيني".
وأكد بحر في تصريح صحفي وصلت صحيفة "فلسطين" نسخة عنه أمس، أن حكومة اشتية "غير دستورية"، موضحًا أنها "لم تنل ثقة المجلس التشريعي، وتم تشكيلها خلافًا لأحكام القانون الأساسي، وأدت القسم أمام عباس منتهي الولاية".
ودعا الفصائل والمؤسسات الحقوقية للتوجه للجهات الدولية والعربية الرسمية، من أجل توضيح مخالفات عباس، وإبراز عدم دستورية وشرعية حكومة اشتية.
وقالت كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية: "إن عباس وفريقه يصران على سياسة البلطجة الدستورية والاستفراد الوطني والإقصاء السياسي، من خلال تشكيل حكومة بعيدًا عن إرادة الشعب والمجموع الوطني، متجاوزًا بذلك الإجراءات القانونية والدستورية بضرورة عرضها على المجلس التشريعي".
وأضاف المتحدث باسم الكتلة النائب مشير المصري، في تصريح صحفي وصلت "فلسطين" نسخة عنه أمس، أن تشكيل الحكومة "فيه إصرار واضح على عقلية الاستبداد السياسي بتشكيل حكومة فتحاوية بامتياز، رغم أنهم يشكلون أقلية في الشارع الفلسطيني بحسب آخر انتخابات فلسطينية جرت عام 2006".
وأكد أن "هذه السياسة العرجاء التي ينتهجها فريق أوسلو إنما تكرس حالة الفرقة الفلسطينية، وتعزز فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وتصنع فريقًا معزولًا عن المجموع الوطني يؤمن بخيارات تصفوية للقضية الفلسطينية، وهو ما يلمسه شعبنا الفلسطيني من خلال إجراءات عباس وفريقه الأخيرة والمتسارعة التي تشكل ترجمة فعلية لـ"صفقة القرن"".
وأضاف أن "حكومة فتح الانفصالية ليست وطنية، ويجب أن ترحل لنذهب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفق إجراءات دستورية سليمة، وتوافق وطني متين؛ لتؤسس لمرحلة جديدة لإجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية ومجلس وطني، ليعبر شعبنا عن إرادته في اختيار ممثليه في انتخابات نزيهة وشفافة، ولنصنع وحدتنا المنشودة لمواجهة كل التحديات التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية العادلة".
التفرد بالقرار
واتهمت فصائل المقاومة الفلسطينية، السلطة، بتعزيز الانقسام وتكريس سياسة التفرد بالقرار الفلسطيني بتثبيت حكومة اشتية دون توافق وطني، داعية لحكومة وحدة وطنية تحضر للانتخابات.
وقالت الفصائل في بيان لها أمس، إنه كان من المفترض أن يكون هناك توافق وطني على رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، مطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تحظى بتوافق الكل الوطني وتحضر لانتخابات شاملة.
وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤول فرعها في غزة، جميل مزهر: "كان الأجدر بأن يذهب عباس إلى حكومة وحدة وطنية بدلًا من حكومة تعزز الانقسام وتكرسه"، مؤكدًا أن الجبهة "لا يمكن أن تكون جزءًا من حكومة تمارس التنسيق الأمني وتقوم بمتطلبات الاحتلال، ولا تنفذ قرارات المجلسين المركزي والوطني".
ولفت مزهر في تصريحات له خلال لقاءٍ عبر قناة "الميادين" أمس، إلى أن الجبهة كانت ترى في اجتماعات المركزي والوطني خطوات لتعزيز الانقسام في الساحة الفلسطينية، داعيًا للذهاب إلى مجلس وطني جديد على أساس نتائج حوارات بيروت 2017 واتفاقيات القاهرة 2011 و2017 بما يمثل الإجماع الوطني.
وشدد على أنه "كان الأجدر الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإنهاء الانقسام"، مضيفًا أن "المطلوب في هذه اللحظة، ومفتاح الحل بيد عباس، أن يدعو لاجتماع يشارك فيه الأمناء العامون للفصائل لبحث كيف نواجه "صفقة القرن" وكل المؤامرات ومحاولات الفصل".
وأكد أن المطلوب حوار وطني شامل يشارك فيه كل من يريد التصدي لـ"صفقة القرن"، يتم فيه التوقيع على ميثاق شرف للتصدي للمؤامرات".
ووصفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حكومة السلطة الجديدة أنها حكومة اللون الواحد، تحت هيمنة حزب سياسي واحد وسياسته، ولا تمثل أي شكل من أشكال الائتلاف الوطني، داعية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية لإعادة بناء المؤسسة على أسس ديمقراطية ومواجهة "صفقة القرن" وتطبيق قرارات المجلس الوطني.
وقالت الجبهة في بيان لها أمس: "إن الحديث المكرر عن مهام هذه الحكومة وتحديات المستقبل، ليست سوى عبارات جوفاء من أجل ذر الرماد في العيون، خاصة وأن الحكومة هذه كالحكومات التي سبقتها، لا تملك صلاحية القرار السياسي الذي يمكنها من الذهاب نحو مستلزمات المرحلة القادمة، بما فيها التصدي لتحديات صفقة القرن، وتطبيق قرارات المجلس الوطني بإعادة تحديد العلاقة مع الاحتلال، بما في ذلك طي صفحة أوسلو، ووقف الرهان على المفاوضات".
وأضافت أن "هذه الحكومة لا تملك الصلاحيات والمقومات السياسية والضرورية التي تمكنها من إنهاء الانقسام عبر تنظيم انتخابات شاملة"، متابعة أن كل هذه الصلاحيات محصورة في القيادة الرسمية ومطبخها السياسي، الذي ما زال منذ عام 2015 يعطل قرارات المجلسين المركزي والوطني، ويدير لعبة إحالة القرارات من دورة إلى دورة، ومن لجنة إلى لجنة في تهرب واضح من استحقاقات تطبيق القرارات، في رهانات أثبتت الوقائع فشلها بما فيها الرهان على ما بات يسمى "رؤية الرئيس".
مواجهة العدوان
وأكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن الحكومة الجديدة ليست بديلًا لحكومة الوحدة الوطنية، وأنها بهذه المواصفات مهما كانت مسمياتها ستكون عاجزة عن مواجهة تغول وعدوان الاحتلال وخاصة في الضفة الغربية المحتلة.
وأوضح عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الوطنية في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، في بيان صحفي، أنه في الوقت الذي يعلن فيه الاحتلال عن نيته ضم أجزاء من أرض الضفة الغربية المحتلة والتلويح الأمريكي بـ"صفقة القرن" لتصفية القضية وتقسيم المنطقة العربية، وتداعياتها الخطرة الأخرى، كان الأجدر لمواجهة كل ذلك البدء باستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام , وإعادة بناء منظمة التحرير على "أسس اتفاقات 2005- 2011".
وشدد البطش على أن التصدي للمخططات الصهيونية الأمريكية يبدأ بتحقيق الشراكة الوطنية وإنهاء الانقسام وصولًا إلى الخروج من اتفاق أوسلو وسحب الاعتراف بـ(إسرائيل) وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني.