فلسطين أون لاين

​كلمات قرآنية تفهم خطأ "9"

...
غزة/ هدى الدلو:

سبق وطرحنا حلقات متعددة لكلمات قرآنية يفهمها القارئ للقرآن خطأ، أي ضمن السياق العام للآية، ولكن لها معنى آخر، واليوم نستكمل مع كلمات أخرى، من خلال التواصل مع الأستاذ المساعد في تفسير القرآن وعلومه د. طارق عقيلان وهو محاضر في الكلية الجامعية.

فقال د. عقيلان: "في قوله تعالى: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا"، قد يتبادر إلى الفهم من كلمة "أَنْ يَفْتِنَكُمُ" أن يضلوكم عن دينكم من الفَتْن في الدين، لكن المعنى المراد: إنزال الأذى بكم بأن يعتدوا عليكم فيؤذوكم بالقتل، أو ينالوكم بمكروه".

وأشار إلى أن الآية تبيِّن حالة خاصة لرخصة قَصْر الصلاة الرباعية في السفر، وهي حالة الخوف من تمكن المشركين منهم، وإبطال صلاتهم، ويأتي قصر الصلاة لتقع الصلاة عن اطمئنان، وعليه فإذا كانت الصلاة في الحرب والسفر واجبة، فلن تكون هناك مشاغل في الحياة أكثر من مشاغل الحرب والسيف.

وأوضح د. عقيلان أن كلمة "فَرْشًا" في قوله: "وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"، قد يفهم منها الفِراش الذي يُجلَس عليه، لكن المراد: صغار الإبل أو عموم الأنعام التي لا يُحمَل عليها لأنها غير مُعَدَّة لذلك فهي قريبة من الأرض كالفَرْش، أو هو ما يُذبَح لأنه يُفْرَش على الأرض حين الذبح أو بعده، وقد يكون المراد افتراش جلود الأنعام للجلوس عليها أو ما يُنْسَج من وبره وصوفه وشعره إشارة إلى ذبحها وأكلها، فالآية تتحدث عن الانتفاع من الأنعام؛ فمنها "حمولةً" أي يُحْمَل عليها لكبرها كالإبل، ومنها "فَرْشًا" أي يؤكل لحمها كالإبل والبقر والمعز والضأن.

أما كلمة "مَرَّت به" في قوله: "فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ"، فبين أنه يفهم منها الذهاب والمجيء، والصواب أنَّ حقيقة "المرور" الاجتياز، ويستعار للتغافل وعدم الاكتراث للشيء، فالمارُّ بالشيء لا يقف عنده، فيكون المراد: أنَّ المرأة الحامل لم تتفطن له ولم تفكر في شأنه؛ لخفت الحمل في أشهره الأولى، فالآية امتنان بخلق النوع الإنساني من زوجين من نفس واحدة، وهو حصول الأُنْس والألفة بينهما، وحصول الوطء الذي ينتج عنه الحمل، فيكون في البداية حملاً خفيفًا لا تفكر الزوجة بشأنه، فلا يمنعها من قضاء حوائجها والقيام بواجباتها إلى أنْ تثقُل وتشعر به.

وتابع د. عقيلان حديثه: "في قوله تعالى: "وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ"، قد يتبادر إلى الفهم أنَّ كلمة "يَفْرَقون" من الفرقة والاختلاف، وهذا غير صحيح. فـ"يَفْرَقونَ" من "الفَرَق" أي الخوف الشديد، وصيغة المضارع تدل على التجدد وأن ذلك دأْبُهم، فالآية في سياق كشف أستار المنافقين وحقيقتهم، فبينت أنهم في حقيقة الأمر كفار منافقون ليسوا من المؤمنين، وأنهم قومٌ يخافون منكم خوفًا شديدًا، ويدل على هذا المعنى الآية التالية لها؛ لذا يحلفون لكم أنهم منكم لتُؤَمنوهم على أرواحهم وأموالهم، فهم يتخذون أيمانهم الكاذبة وقاية يتقون بها بطش المؤمنين إذا عرفوا أنهم كافرون كاذبون، قال تعالى عنهم: "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً".

ولفت إلى أن كلمة "فَنَسِيَهُمْ" في قوله: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، قد يشكل على البعض فَهْم المراد من كلمة "فَنَسِيَهُمْ" إذ إنها من النسيان الذي هو ضد التذَكُّر، وهذا المعنى محالٌ على الله.

ونبه إلى أن الصواب أنَّ نسيانهم الله مستعارٌ للإعراض عن ابتغاء مرضاة الله وامتثال ما أمر به، ونسيان الله إياهم من قبيل المشاكلة في البلاغة، والمراد: إهمالهم وحرمانهم مما أعد للمؤمنين، والتوفيق للهداية، وهذا يشبه النسيان عند قسمة الحظوظ، فالآية في سياق كشف حقيقة المنافقين، فبينت أنَّ أمرهم واحد، متشابهون في الخسة والقبح والفضائح، ومن خصالهم: الأمر بالكفر والمعاصي، والنهي عما يرضاه الدين، والشح على الفقراء، فهم بذلك كمن نَسِيَ الله، وفي المقابل تركهم الله محرومين من كل هدايةٍ ورحمةٍ ولُطْف.