حراك نشط ومباحثات متتالية أجراها الوفد الأمني المصري لاسيما خلال الشهر الماضي، مع مختلف الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، في مهمة يؤكد مراقبون مصريون أنها تأتي ضمن دور جمهورية مصر العربية التاريخي لحفظ القضية الفلسطينية، ومنعا لتصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه.
وترعى القاهرة تفاهمات غير مباشرة بين الفصائل في القطاع وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، تخفف الأخيرة بموجبها من وطأة الحصار الذي تفرضه عليه منذ 13 سنة، على طريق كسره كاملا.
ويوم الجمعة الماضي، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية أن هناك حراكا "ايجابيا" في مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار وكسر الحصار، مبينا أن الأشقاء في جمهورية مصر العربية يعملون على مدار الساعة في هذا الصدد، وكذلك الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها نيكولاي ملادينوف، ودولة قطر.
وكان هنية قال خلال وجود الوفد الأمني المصري في قطاع غزة في 29 مارس/آذار الماضي: إن العمل كان جاريا آنذاك مع الإخوة في مصر وعبر وفدها في غزة على حل للأزمة الإنسانية في القطاع بشكل يضمن إنهاء معاناة أهلنا وتعزيز كرامتهم في بلدهم؛ من خلال التوصل لتفاهمات جدية تُحترم من قبل الاحتلال.
وبهدف تخفيف الحصار، تستمر مصر في فتح معبر رفح البري الحدودي بينها وبين القطاع، أمام المغادرين والقادمين.
وتؤكد أستاذة العلوم السياسية المصرية د. هبة البشبيشي أن لمصر دورا إنسانيا مهما جدا تجاه قطاع غزة الذي لا يوجد به مطار أو ميناء وتفرض عليه (إسرائيل) الحصار، مما يسبب المعاناة للفلسطينيين.
وفي الوقت نفسه تقول البشبيشي لصحيفة "فلسطين": إن لدى مصر عقيدة واقتناعا تاما بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، مضيفة: هذا طموح عندنا، وعند كل مهتم بالقضية الفلسطينية، حتى لو طال الزمن، وإن لم يتحقق لأجيالنا فللأجيال التي بعدنا، أن نرى دولة فلسطين ولها عاصمة، القدس، ومطار وجيش.
وتشدد على أن مصر تعد نفسها مسؤولة عن القضية الفلسطينية و"هي الأقدر على التعاطي مع أحداثها"، وأن لدى الشعب المصري عاطفة ممتدة تجاه هذه القضية تصل لمستوى رئاسة الجمهورية التي تشعر أيضًا بأهميتها.
وتلفت البشبيشي إلى أن مصر تتحرك تجاه القضية الفلسطينية بصورة إيجابية، والتحرك المصري لا سيما في الفترة الأخيرة كان على مستوى كبير جدا من الفاعلية لمنع العدوان على القطاع الذي قصفت قوات الاحتلال أهدافا مدنية ومقرات حكومية فيه الشهر الماضي.
وتوضح أن مصر نجحت في وقف العدوان الإسرائيلي، مؤكدة أن التحرك المصري لدعم القضية الفلسطينية لم يتراجع يوما بأي شكل من الأشكال لا شعبيا ولا رسميا.
وتشير إلى أن القضية الفلسطينية تعد "رقم واحد في معادلة الأمن القومي والوعي الجمعي المصري والعربي".
وتهاجم البشبيشي الدعاية الفتحاوية تجاه تفاهمات كسر الحصار، مؤكدة أن الزعم بأن هذه التفاهمات لما يسميه قادة في حركة فتح "فصل القطاع" هو "كلام تخريبي" يرمي إلى كف أيدي العرب عن دعم الفلسطينيين في وجه العدوان على القطاع.
وتتابع بأن مصر دولة كبيرة وعملاقة ولا تسمح بمزاعم "فصل القطاع"، ولا يمكن لأي فلسطيني أن يتنازل عن حقوقه في بلده فلسطين.
وتقول البشبيشي: إن هذه المزاعم التي يروجها قادة في حركة فتح تأتي بينما وعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ"ضم" المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ولا أحد من داخل فتح تحرك أو "انفعل" لمنعه.
وكان المحلل السياسي المصري أشرف أبو الهول قال في 28 مارس/آذار الماضي: إن الوفد الأمني المصري يسابق الزمن لإنقاذ غزة من عدوان جديد وتخفيف الحصار عنها. وذلك في وقت كان الاحتلال يروج فيه لحشد جنوده مهددا بالعدوان على القطاع.
اهتمام مصري دائم
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة د.حسن نافعة: إن مصر دائما مهتمة بالشعب الفلسطيني وقضيته، مبينا أن مضمون هذا الاهتمام وأسلوبه والوسائل المستخدمة لتحقيق الأهداف المرجوة تختلف من فترة لأخرى.
ويضيف نافعة لصحيفة "فلسطين" أن مما يحدد طبيعة الدور المصري الوضع الإقليمي وتصرفات (إسرائيل) على الأرض وحالة الشعب الفلسطيني.
ويتابع: الوضع الحالي يستلزم من مصر أن تؤدي هذا الدور منعا "لانفجار" جديد في القطاع لا يحقق مصلحة مصرية ولا فلسطينية، وفق قوله.
ويلفت إلى أن تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في غزة مسألة مهمة جدا لتمكينه من التجاوب مع الوساطة المصرية التي دخلت مرحلة حساسة جدا قبل الانتخابات الإسرائيلية.
ويوضح نافعة أن "المأزق" الذي يوجد به نتنياهو بين مطرقة التصعيد ونار خسارة الانتخابات الإسرائيلية التي تجري اليوم، أعطى مصر فرصة للمناورة لإقناعه رئيس حكومة الاحتلال بعدم التصعيد.
ويشير المحلل السياسي المصري إلى أن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال والحصار، ولا يمكن لمصر أن تكون شريكة في هذا الحصار حتى وإن كانت الأوضاع الإقليمية والدولية تشكل نوعا من الضغط عليها.
وكان رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة يحيى السنوار أكد الشهر الجاري خلال لقاء نظمته "حماس" مع فصائل فلسطينية وشخصيات مجتمعية بمدينة غزة، أن عدم اللقاء المباشر مع (إسرائيل) كان من أهم محددات تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار وكسر الحصار، موضحا "أنه لا أثمان أو أبعاد سياسية للتفاهمات، وأنها ليست بديلا عن الوحدة والشراكة".
وتتضمن التفاهمات إطلاق مشاريع تشغيل مؤقت في غزة، وتوريد الوقود لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وإلغاء تقليص مساحات الصيد، ورفع الحظر عن 30% من المواد التي تمنع قوات الاحتلال إدخالها إلى القطاع، وتسريع خطوات التصدير والاستيراد.