في غمرة النقاشات الإسرائيلية التي بدأت ولما تنتهي بعد إزاء مستقبل العلاقة مع قطاع غزة، يطرح الإسرائيليون، لا سيما أولئك القادمون من ردهات الجيش والمؤسسة العسكرية، ويعتقدون أن أي حرب قد تشنها إسرائيل على غزة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار جملة من العوامل الأساسية أهمها: الأثمان المدفوعة، الجدوى المتوقعة، والنتائج المطلوبة.
يرى هؤلاء أنه في ضوء التوتر الأمني القائم في الجبهة الجنوبية مع القطاع، فكل إسرائيلي لديه اقتراح بتنفيذ عملية ضد حماس بغزة، مع أن الخروج لها يجب أن يكون آخر خيارات صانع القرار في تل أبيب.
يعتنق العسكريون في خططهم العملياتية فرضية يعملون بموجبها وهي أن أي حرب ينبغي أن تكون من أجل تحقيق هدف سياسي واضح، بين من يطالب بالذهاب لحرب واسعة وشاملة في غزة، ومن يدعو لزيادة الكثافة النارية فقط.
مع أن إستراتيجية الجيش لعام 2018 حددت جملة معايير الذهاب لهذه الحرب، لعل أهمها الوصول لمرحلة الحسم مع العدو، وهذه المرحلة تتمثل بانعدام القدرة والرغبة لديه بالعمل ضد إسرائيل، وعدم توفر الإمكانيات للدفاع عن نفسه، وأن تحقق هذه المواجهة فترة هدوء أمنية طويلة زمنيا، فهل تحقق أي حرب على غزة مثل هذه المعايير المفترضة؟!
يضع الإسرائيليون في بعض فرضياتهم على طاولة البحث ثلاثة سيناريوهات للحرب القادمة: أولها عملية دفاع عن النفس من هجمات معادية غير محتملة من العدو في غزة، وثانيها معركة دفاعية للرد على عمليات يتم التحضير لها تحت تصنيف إحباط مسبق، وثالثها أن تكون المبادرة الأولى من الجيش الإسرائيلي، وتسعى لضرب القدرات العسكرية للعدو، بحيث تمنعه من مهاجمة إسرائيل، وتغيير ميزان الردع الاستراتيجي لصالح إسرائيل خلال فترة زمنية طويلة.
إن المخاطرة التي تحيط بهذه السيناريوهات مجتمعة تتعلق بالثمن الباهظ الذي قد تدفعه إسرائيل، وربما يكون في نظرها غير محتمل، لأنه في حال اتخذ قرار إسرائيلي بشن عملية عسكرية واسعة في عزة فيجب تحديد الأهداف السياسية والجدوى منها.
كما أن البديلين المحتملين لحرب محتملة على غزة، أولهما إسقاط حماس، والقضاء عليها كلياً، وهي معركة قد تستمر عدة سنوات، كما حصل في السور الواقي بالضفة الغربية في 2002، لكن عبئا اقتصاديا ينتظر إسرائيل في غزة يتمثل بإلزامها بتوفير الاحتياجات المعيشية لسكان القطاع، بجانب العبء السياسي أمام المجتمع الدولي الذي لن يتوانى عن انتقاد سياستها الأمنية في غزة.
أما البديل الثاني، فهي عملية لتجديد الردع على غرار حرب غزة 2014، وهدفها تدمير البنى التحتية العسكرية لحماس دون احتلال القطاع، وهي ممكنة من الناحية العملياتية، لكن يجب قياسها بالنسبة للأضرار الاقتصادية التي قد تنجم عنها في حال تم استهداف البنى التحتية داخل إسرائيل، وتعكير صفو حياتهم، مقابل فقدان أمنهم.