الجريمة هي قيام السلطة الفلسطينية بصرف 40% من رواتب موظفي غزة، وصرف 50% من رواتب موظفي الضفة الغربية، والذريعة لهذه الجريمة البشعة بحق الإنسان الفلسطيني هي رفض تسلم أموال المقاصة من إسرائيل، التي خصمت 42 مليون شيكل شهرياً نسبة الأموال التي تصرف لعائلات الشهداء والجرحى!
الواجهة العريضة لهذه الجريمة هي الوطنية، والتمسك بالثوابت، ومواجهة الاحتلال، أما ما تخفيه هذه الواجهة المطرزة بالشعارات الكبيرة فهو تعذيب الموظف، وتجويع المواطن، والتضييق على حياة الناس، دون أن يصاب العدو الإسرائيلي بأي وجع، بل إن الاحتلال يمارس استيطانه في الضفة الغربية، ويمارس عدوانه دون الالتفات لحرد السلطة هذا عن أموال المقاصة.
وحتى أكون أميناً في التعبير، فإنني أتفق مع الوزير السابق حسن عصفور الذي أشار في مقال له إلى عدة خطوات يمكن اتخاذها، وهي موجعة للاحتلال، ولا تضر بمصالح المواطن الفلسطيني، وهنا لا بد من التأكيد أن الأموال التي حردت عنها السلطة هي أموال فلسطينية، وهي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، ويجب أن تسترد عنكاً، وذلك من خلال الضغط على عصب التعاون الأمني؛ العصب المرهف الذي سيعزف بالفرح في قلوب الفلسطينيين، وسيدق طبول الرعب في قلوب المستوطنين، ويربك حسابات أجهزة الاحتلال الأمنية.
قد يقول البعض: من المستحيل أن يوافق رئيس السلطة على وقف التعاون الأمني المقدس، فإن صح ذلك، وذلك بحد ذاته منكر زنيم، فالأجدر بالسلطة الفلسطينية أن تخصم المبالغ التي سرقتها إسرائيل من رواتب كبار المسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية، وكل من يمارس مهنة التعاون الأمني، فهؤلاء هم الأجدر بخصم نصف رواتبهم، على أن تتحمل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية النصف الآخر من رواتبهم؛ طالما كانت تنتفع من خدمتهم، وفي تقديري أن هذه الخطوة تشكل أنجع طريقة تضغط بها السلطة الفلسطينية على المخابرات الإسرائيلية، إن كانوا صادقين.
أما النذل، فهو كل إعلامي فلسطيني يدافع عن جريمة قطع الرواتب بحجة الكرامة الوطنية، والنذل هو كل كاتب يسحج لقرارات فردية تصدر دون الرجوع إلى المؤسسات الشرعية، والنذل كل قلم باع قيمه الإنسانية، وألوانه الزاهية بثمنٍ بخسٍ، ليغمض عقله عما يقدمه الاحتلال لبعض المسؤولين من امتيازات شخصية، والنذل مسؤول يناطح صخرة المقاومة بقرون التعاون الأمني، ويقرر معاقبة الموظفين الفلسطينيين انتقاماً من الإسرائيليين الذين خصموا أموال المقاصة.
لقد تمادى البعض في استغباء العقول، فضرب مثلًا بالأسرى الفلسطينيين الذي يضربون عن الطعام، كنموذج للمقاومة السلبية، بهدف الضغط على السجان، وفي هذه المقاربة تجني على المنطق، فالسجين لا يمتلك من وسائل المقاومة إلا أمعاءه، فيخوض فيها الحرب، أما الشعب الفلسطيني فيمتلك من وسائل المقاومة ما يعجز عنه الجيش الإسرائيلي، فالشعب الفلسطيني يمتلك وقف التعاون الأمني، ويمتلك الانتفاضة، ويمتلك المقاومة، ويمتلك المواجهة على مفارق الطرق، ويمتلك خزانات الوجع التي يرشها على طرق المستوطنين، وهذه كلها مقتنيات ثورية قادرة على تغيير المعادلة، ورسم واقع فلسطيني جديد بلا جريمة وبلا انذال.
لافتة: قال نتنياهو بلغة سياسية فصيحة: "العلاقة بين غزة والضفة الغربية مقطوعة، فهناك كيانان منفصلان، وهذا ليس سيئاً لدولة إسرائيل، لقد حقق أبو مازن الفصل بين غزة والضفة بيديه، فهو الذي قلص تحويل الأموال إلى غزة، بهدف إشعالها بالفوضى، لنحتلها نحن بثمن دموي، وأنه بالدم الإسرائيلي سيأخذ غزة على طبق من فضة. وهذا لم يحدث".
يافطة: إذا كان خصم نصف رواتب موظفي غزة قد حقق لنتنياهو فصل غزة عن الضفة الغربية، فماذا سيحقق خصم نصف رواتب موظفي الضفة الغربية من أطماع نتنياهو؟!