"انتزعوا فرحتي وفرحة ابنتي"، تقول أم هاني الحويطي ودموعها تبلل وجنتيها، حزناً على ما آل إليه فرحٌ كانت ترقبه، بعد تعرض البيت الذي سُتزف منه العروس لأضرارٍ جسيمة أتتْ على جزءٍ كبير من "جهازها" لتحيل فرحتها وفرحة ذويها لمأساةٍ تُضاف إلى معاناتهم المستمرة من الفقر وضيق الحال.
المحطة الفاصلة كانت حين تعرضت عمارة "حسونة" في منطقة "قصر الحاكم" غرب مدينة غزة لقصف من المقاتلات الحربية الإسرائيلية الاثنين الماضي أدى لتدمير المبنى كاملًا، الذي تسكن شققه عائلات مختلفة من بينها عائلة "الحويطي".
كانت عائلة "الحويطي" تعد الأيام الأخيرة فرحًا إيذانًا بيوم الزفاف المحدد يوم غد الجمعة، لكن القصف الهمجي أتى على كل شيء في البيت، فدمر الأثاث، وطمر "جهاز" العروس "شيماء" تحت الأنقاض، حيث كانت أمها قبل القصف بلحظات ترتبه تمهيدًا لنقله لبيت الزوجية.
فالأسرة التي باغتها القصف لم تشعر بنفسها إلا وقد أصبحت خارج العمارة في لحظات، دون أن تستطيع أخذ أي شيءٍ، لتعود في اليوم التالي تبحث عنه بين الركام وتأخذ ما بقي صالحًا منه وتنقله إلى بيت أحد أبنائها في مخيم الشاطئ انتظاراً ليد عطفٍ تمتد لها لإكماله وإعادة رسم البسمة على شفتَي العروس "المنكوبة".
وقد ساور الأمل نفس والدتها بعد سماعها باستعداد عددٍ من فاعلي الخير الفلسطينيين للتكفل بتجهيز العروس وزفها لبيت عريسها من الألف إلى الياء.
ولم تقتصر تلك اليد على فاعل الخير ذاك، إذ تكفلت شخصيات ومؤسسات، من بينهم: رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بخروج العروس من "منزله"، في حين تكفّل مركز أزياء نسائية بتقديم البدلة والمكياج وفستان أمَّي العروسين مجانًا، وآخر للتجميل تكفل بمكياج العروس وعائلتها يوم الفرح كاملا.
واستعدت فرقة إنشادية لإحياء حفل العريس كاملا بكل مستلزماته، في حين أعلن مكتب تاكسيات عن تقديم خمس سيارات للزفة.
تقول الحويطي: "لقد ربيتُ أبنائي العشرة بعد وفاة زوجي منذ ستة عشر عامًا، وكابدتُ الصعاب حتى أستطيع تأمين سبل الحياة لهم، واليوم أتقطع ألمًا على ما حلّ بفرحة ابنتي، حيث لم يعد هناك منزل تُزف منه لعريسها".
وتضيف: "لم أتوقع يوماً أنْ يستهدفنا الاحتلال، فنحن مدنيون، وأغلبنا تحت خط الفقر، أبناؤنا عاطلون عن العمل، جميعنا نعاني من هذا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به غزة، بالكاد نتدبر أمورنا، فهذا المنزل اشتريته من كفالات أبنائي الأيتام، وكتبته باسم البنات حفظاً لحقهن، في حين لي بيتٌ من "الأسبست" في المغراقة يسكن فيه أبنائي المتزوجون".
وتتابع بألم: "لا أعرف الآن أين أذهب؟ لن أستطيع أن أجبر "زوجات أبنائي" على إيوائي معهن بقية العمر، فهنّ أصلاً يعشنَ في منزلٍ يفتقد لأساسيات الحياة، حيث يدلف المطر إلى غرفهنَّ في الشتاء، هذه الأيام أعيش عندهن، لكنْ في قادم الأيام أين سأذهب؟!".
وتردف بالقول: "كل ما يهمني الآن أن تمتد يد العون لانتشال ابنتي شيماء من الكآبة التي تتملكها الآن، وأنْ تتم مراسم فرحها بالشكل الذي يدخل البهجة على قلبها، أما أنا فقد اعتدتُ الحزن والألم منذ وفاة زوجي وحملي تلك المسئولية الكبيرة بتربية أبنائي".
وناشدت كل أصحاب الضمائر الحية والشرفاء في العالم لأنْ يعيدوا بناء بيوت أصحاب العمارة المنكوبة الذين يموتون في اليوم ألف مرة حزناً على ما ألمَّ بهم من فقدانٍ لبيوتهم.